فصل: وفي سنة أربـع وأربعيـن

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» **


  قدوم المأمون إلى العراق

لما وقعت هذه الفتن بالعراق بسبب الحسن بن سهل ونفور الناس من استبداده وأخيه على المأمون ثم من العهد لعلي الرضا بن موسى الكاظم وإخراج الخلافة من بني العباس وكـان الفضـل بـن سهـل يطـوي ذلـك عـن المأمـون ويبالـغ فـي إخفائـه حـذراً مـن أن يتغير رأي المأمون فيه وفي أخيه‏.‏ ولما جاء هرثمة للمأمون وعلم أنه يخبره بذلك وأن المأمون يثق بقوله أحكم السعاية فيه عند المأمون حتى تغير له فقتله ولم يصغ إلى كلامه‏.‏ فازدادت نفرة الشيعة وأهل بغداد وكثرت الفتن وتحدث القواد في عسكر المأمون بذلك ولم يقـدروا علـى إبلاغـه فجـاؤوا إلـى علـي الرضـا وسألـوه إنهاء ذلك إلى المأمون فأخبره بما في العراق مـن الفتنـة والقتـال وأنهم بايعوا إبراهيم بن المهدي فقال المأمون‏:‏ إنما جعلوه أميراً يقوم بأمرهم فقال ليس كذلك‏:‏ وإن الحرب الآن قائمة بين ابن سهل وبينه وان الناس ينقمون عليك مكان الفضل والحسـن ومكانـي وعهـدك لـي‏.‏ فقـال لـه المأمـون‏:‏ ومن يعلم هذا غيرك فقال‏:‏ يحيى بن معاذ وعبد العزيـز بـن عمـران وغيرهمـا مـن وجوه قوادك‏.‏ فاستدعاهم فكتموا حتى استأمنوا إليه ثم أخبروه بما أخبره به الرضا وأن الناس بالعراق يتهمونه بالرفض لعهده لعلي الرضا وأن طاهر بن الحسين مـع علـم أميـر المؤمنيـن ببلائـه قد دفع إلى الرقة وضعف أمره والبلاد تفتقت من كل جانب وإن لم يتدارك الأمر ذهبت الخلافة منهم‏.‏ فاستيقن المأمون ذلك وأمر بالرحيل واستخلف على خراسان غسان بن عباد وهو ابن عم الفضـل بـن سهـل وعلـم الفضـل بـن سهـل بذلـك‏.‏ فشرع في عقاب أولئك القواد فلم يغنه‏.‏ ولما نزل المأمـون شرحبيبـل وثـب بالفضـل أربعـة نفر فقتلوه في الحمام وهربوا وجعل المأمون جعلاً لمن جاء بهـم فجـاء بهـم العبـاس بـن الهيثـم الدينوري‏.‏ فلما حضروا عند المأمون قالوا له‏:‏ أنت أمرتنا بقتله وقيل بل اختلفوا في القول فقال بعضهم‏:‏ أمرنا بقتله ابن أخيه وقال آخرون بل عبد العزيز بن عمـران مـن القـواد وعلـي وموسـى وغيرهـم وأنكـر آخـرون‏.‏ فأمر المأمون بقتلهم وقتل من أقروا عليه من القواد وبعث إلى الحسن بن سهل وسار إلى العراق‏.‏ وجاءه الخبر بأن الحسن بن سهل أصابته الماليخوليا واختلط فبعث ديناراً مولاه ووكله بأمور العسكر وكان إبراهيم بن المهدي وعيسى بالمدائن وأبو البط وسعيد بالنيل والحرب متصلة بينهم‏.‏ والمطلب بن عبد الله بن مالك قد اعتل بالمدائن فرجع إلى بغداد وجعل يدعو إلى المأمون سراً وإلى خلع إبراهيم وأن يكون منصور بن المهدي خليفة المأمون وداخله في ذلك خزيمـة بن خازم وغيره من القواد‏.‏ وكتب إلى علي بن هشام وحميد أن يتقدما فنزل حميد نهر صرصر وعلي النهروان وعاد إبراهيم بن المهدي من المدائن إلى بغداد منتصف صفر وقبض على منصور وخزيمة ومنع المطلب مواليه فأمر إبراهيم بنهب داره ولم يظفر ونزل حميد وعلي بن هشام المدائن وأقاما بها‏.‏ وزوج المأمون في طريقه ابنته من علي الرضا وبعث أخاه إبراهيم بن موسى الكاظم على الموسم وولاه اليمن وكان به حمدويه بن علي بن عيسى بن ماهان قد غلب عليه‏.‏ ولما نزل المأمون مدينة طوس مات علي الرضا فجأة آخر صفر من سنة ثلاث من عنب أكله وبعث المأمـون إلـى الحسـن بن سهل بذلك وإلى أهل بغداد وشيعته يعتذر من عهده إليه وأنه قد مات ويدعوهـم إلـى الرجـوع لطاعتـه‏.‏ ثـم سـار إلـى جرجـان وأقـام بها أشهراً وعقد على جرجان لرجاء بـن أبـي الضحـاك قاعـداً وراء النهـر ثـم عزلـه سنـة أربـع وعقـد لغسان بن عباد من قرابة الفضل بن سهل على خراسان وجرجان وطبرستان وسجستان وكرمان وروبان ودهارير ثم عزله بطاهر كما نذكره‏.‏ ثـم سـار إلـى النهـروان فلقيـه أهـل بيتـه وشيعتـه والقـواد ووجـوه النـاس وكـان قـد كتـب‏.‏ إلى طاهر أن يوافيه بها فجاء من الرقة ولقيه هنالك‏.‏ وسار المأمون فدخل بغداد منتصف صفر من سنة أربعـة فنـزل الرصافـة ثـم نـزل قصـره بشاطـىء دجلـة وبقي القواد في معسكر وانقطعت الفتن وبقي الشيعـة يتكلمـون فـي لبـس الخضـرة وكان المأمون قد أمر طاهر بن الحسين أن يسأل حوائجه فأول شيء سأل لبس السواد فأجابه وقعد للناس وخلع عليه وعليهم الثيـاب السـود واستقامـت الأمور‏.‏ كانـت الفتنـة قـد وقعـت بالموصـل بيـن بنـي شامـة وبنـي ثعلبـة وكـان علي بن الحسن الهمداني متغلباً عليها في قومه فاستجارت ثعلبة‏.‏ بأخيه محمد فأمرهم بالخروج إلى البرية ففعلوا وتبعهم بنو شامة في ألف رجل وحاصروهم بالقوجاء ومعهم بنو ثعلب وبعث علي ومحمد إليهم بالمدد فقتلوا جماعـة مـن بنـي شامـة وأسـروا منهـم ومـن بنـي ثعلـب فجـاء أحمـد بـن عمـر بـن الخطـاب الثعلبـي إلـى علـي فوادعـه وسكنت الفتنة‏.‏ ثم إن علي بن الحسين سطا بمن كان في الموصل من الأزد عسفـاً فـي الحكـم عليهـم وقـال لهـم يومـاً الحقوا بعمان فاجتمعت الأزد إلى السيد بن أنس كبيرهم وقاتلوه‏.‏ وكان في تلك النواحي مهدي بن علوان من الخوارج فأدخله علي بن الحسين وبايعه وصلى بالناس واشتدت الحرب‏.‏ ثم كانت إصراً على علي وأصحابه وأخرجهم الأزد عن البلد إلى الحديثـة ثم اتبعوهم فقتلوا علياً وأخاه أحمد في جماعة ولجأ محمد إلى بغداد وملك السيد بن أنس والأزد والموصل وخطب للمأمون‏.‏ ولما قدم المأمون بغداد وفـد عليـه السيـد بـن أنـس فشكاه محمد بن الحسين بن صالح واستعداه عليه بقتل أخويه وقومه فقال نعم يا أمير المؤمنين ادخلوا الخارجي بلدك وأقاموا على منبرك وأبطلوا دعوتك فأهدر المأمون دماءهم‏.‏

  ولاية طاهر علي خراسان ووفاته

كان المأمون بعد وصوله إلى العراق قد ولى طاهر بن الحسين الجزيرة والشرطة بجانبي بغداد والسواد ودخل عليه يوماً في خلوته فأذن له بالجلوس وبكى ففداه‏.‏ فقال المأمون‏:‏ أبكي لأمر ذكره ذل وستره حزن ولن يخلو أحد من شجن وقضى طاهر حديثه وانصرف‏.‏ وكان حسين الخـادم حاضـراً فـدس إليـه علـى يـد كاتبـه محمد بن هارون أن يسأل المأمون عن مكاتبته على مائة ألف درهم ومثلها للكاتب وخلا حسين بالمأمون وسأله ففطن وقال له‏:‏ إن الثناء مني ليس برخيص والمعروف عندي ليس بضائع فعيبي عن غير المأمون‏.‏ فأجابه وركب إلى المأمـون وفاوضه في أمر خراسان وأنها يخشى عليها من الترك وأن غسان بن عباد ليس بكفء لها‏.‏ فقال‏:‏ لقد فكرت في ذلك فمن ترى يصلح لها قال طاهر بن الحسين‏:‏ قال هو خالع‏:‏ قال أنا ضامنه‏.‏ فاستدعـاه وعقـد لـه من مدينة السلام إلى أقصى عمل المشرق من حلوان إلى خراسان وعسكر من يومه خارج بغداد وأقام شهراً تحمل إليه كل يوم عشرة آلاف ألف درهم عادة صاحب خراسـان‏.‏ وولـى المأمون مكانه بالجزيرة ابنه عبد الله وكان ينوب عن أبيه بالشرطة فحملها إلى ابن عمه إسحاق بن إبراهيم بن مصعب وخرج إلى عمله ونزل الرقة لقتال نصر بن شبث ثم سار طاهر إلى خراسان آخر ذي القعدة سنة خمس ومائتين‏.‏ وقيـل فـي سبـب ولايـة طاهر خراسان‏:‏ إن عبد الرحمن المطوع جمع جموعاً كثيرة بنيسابور لقتال الحروريـة ولـم يستـأذن غسـان بـن عبـاد وهـو الوالـي علـى خراسـان فخشـي أن يكـون ذلك من المأمون فاضطـرب وتعصـب لـه الحسـن بـن سهل‏.‏ وخشي المأمون على خراسان فولى طاهراً وسار إلى خراسان فأقام بها إلى سنة سبع ثم اعتزم على الخلاف‏.‏ وخطب يومًا فأمسك عن الدعاء للمأمون ودعا بصلاح الأمة وكتب صاحب البريد بذلك إلى المأمون بخلعه فدعا بأحمد بن أبي خالـد فقـال‏:‏ أنـت ضمنته فسر وأتني به‏.‏ ثم جاء من الغد الخبر بموته فقال المأمون للبريد ونغم الحمـد للـه الـذي قدمـه وأخرنـا‏.‏ وولـى طلحـة مـن قبلـه وبعث إليه المأمون أحمد بن أبي خالد ليقوم بأمره فعبر أحمد إلى ما وراء النهر وافتتح أشروسنة وأسـر كـاووس بـن خالـد أحمـد وابنـه الفضل وبعث بهما إلى المأمون ووهب طلحة لأحمد بن أبي خالد ثلاثة آلاف ألف درهم وعروضـاً بألـف ألـف ولمكاتبتـه خمسمائـة ألف درهم‏.‏ ثم خالف الحسين بن الحسين بن مصعب بكرمان فسار إليه أحمد بن أبي خالد وأتى به إلى المأمون فعفا عنه‏.‏ ولاية عبد الله بن طاهر الرقة ومصر ومحاربته نصر بن شبث

  وفي سنة ست ومائتين

بلغ الخبر بوفاة يحيى بن معاذ عامل الجزيرة وأنه استخلف ابنه أحمد فولـى المأمـون عبـد اللـه بـن طاهـر مكانـه وجعـل لـه ما بين الرقة ومصر فأمره بحرب نصر بن شبث وقيـل ولـاه سنـة خمـس وقيـل سنـة سبـع‏.‏ واستخلـف علـى الشرطـة ببغـداد إسحاق بن إبراهيم بن الحسن بن مصعب وهو ابن عمه وكتب إليه أبو طاهر كتاباً بالوصية جمع فيه محاسن الآداب والسياسة ومكارم الأخلاق وقد ذكرناه في مقدمة كتابنا‏.‏ فسار عبد الله بن طاهر لذلك وبعـث الجيـوش لحصـار نصـر بـن شبـث بكيسـوم فـي نواحـي جانب ثم سار إليه بنفسه سنة تسع ومائتين وأخذ بمخنقه‏.‏ وبعث إليه المأمون محمد بن جعفر العامري يدعوه إلى الطاعة فأجاب على شرط أن لا يحضر عنده‏.‏ فتوقـف المأمـون وقـال‏:‏ مـا بالـه ينفـر منـي فقـال أبـو جعفر لما تقدم من ذنبه‏.‏ فقال‏:‏ فتراه أعظم ذنباً من الفضل بن الربيع وقد أخذ جميع ما أوصى له به الرشيد من الأموال والسلاح وذهب مع القـواد إلـى أخـي وأسلمنـي وأفسـد علـي حتـى كـان مـا كـان ومـن عيسـى ابن أبي خالد وقد خالف علـي ببلـدي وأخـرب داري وبايـع لإبراهيـم دونـي فقـال ابـن جعفـر يا أمير المؤمنين هؤلاء لهم سوابق ودالـة يبقـون بهـا ونصـر ليسـت لـه فـي دولتكـم سابقـة إنمـا كـان مـن جند بني أمية وأنا لا أجيب إلى هذا الشرط‏.‏ ولح نصر في الخلاف حتى جهده الحصار واستأمن فأمنه عبد الله بن طاهر وخـرج إليـه سنـة عشـرة وبعث به إلى المأمون وأخرب حصن كيسوم لخمس سنين من حصاره‏.‏ ورجـع عبـد اللـه بن طاهر إلى الرقة ثم قدم بغداد سنة إحدى عشرة فتلقاه العباس بن المأمون والمعتصم وسائر الناس‏.‏ كـان إبراهيـم بـن محمـد بـن عبـد الوهـاب بـن إبراهيـم الإمام ويعرف بابن عائشة ممن تولى كبر البيعة لإبراهيم بن المهدي ومعه إبراهيم بن الأغلب ومالك بن شاهين وكانوا قد اختفوا عند قدوم المأمـون فـي نواحـي بغـداد‏.‏ ولما وصل نصر بن شبث وخرجت النظارة أنفذوا للخروج في ذلك اليـوم ثـم غلبهـم بعـض النـاس فأخـذوا فـي صفـر مـن سنـة عشـرة ثـم ضربـوا حتـى أقـروا على من كان معهم في الأمر فلم يعرض لهم المأمون وحبسهم فضاق عليهم الحبس وأرادوا أن ينقبوه فركب المأمون بنفسه وقتلهم وصلب ابن عائشة ثـم صلـى عليـه ودفنـه‏.‏ ثـم أخـذ فـي هـذه السنـة إبراهيـم بـن المهدي وهو متنقب في زي امـرأة يمشـي بيـن امرأتيـن واستـراب بـه بعـض العسـس وقـال‏:‏ أيـن تـردن فـي هذا الوقت‏.‏ فأعطاه إبراهيم خاتم ياقوت في يده فازداد ريبة ورفعهن إلى صاحب المسلحة وجاء بهن إلى صاحب الجسر فذهب به إلى المأمون وأحضره والغل في عنقه والملحبة على صدره ليراه بنو هاشم والناس‏.‏ ثم حبسه عند أحمد بن أبي خالد ثم أخرجه معه عندما سار الحسن بن سهل ليغنم الصلح فشفع فيه الحسن وقيل ابنته بوران وقيل‏:‏ إن إبراهيم لما أخـذ حمـل إلـى دار المعتصـم وكـان عنـد المأمـون فأدخلـه عليـه وأنبه فيما كان منه‏.‏ واعتذر بمنظوم من الكلام ومنثور أتى فيه من وراء الغاية وهو منقول في كتب التاريخ فلا نطيل بنقله‏.‏ كـان السـري بـن محمـد بـن الحكم والياً على مصر وتوفي سنة خمس ومائتين وبقي ابنه عبد الله فانتقض وخلع الطاعة وأنزل بالإسكندرية جاليةً من الأندلس وأخرجهم الحكم بن هشام من ربضي قرطبة وغربهم إلى المشرق‏.‏ ولما نزلوا بالإسكندرية ثاروا وملكوها وولوا عليهم أبا حفـص عمـر البلوطـي‏.‏ وفشـل عبـد اللـه بـن طاهـر عنهـم بمحاربـة نصـر بـن شبث فلما فرغ منه ثار من الشام إليهم وقدم قائداً من قواده ولقيه ابن السري وقاتله وأغذ ابن طاهر المسير فلحقهم وهـم فـي القتال وانهزم ابن السري إلى مصر وحاصره عبد الله بن طاهر حتى نزل على الأمان وذلـك سنـة عشـرة‏.‏ ثـم بعـث إلـى الجالية الذين ملكوا الإسكندرية بالحرب فسألوا الأمان على أن يرتحلوا إلى بعض الجزائر في بحـر الـروم ممـا يلـي الإسكندريـة ففعـل‏.‏ ونزلـوا جزيـرة أقريطـش واستوطنوها وأقامت في مملكة المسلمين من أعقابهم دهراً إلى أن غلب عليها الإفرنجة‏.‏

  العمال بالنواحي

لمـا استقـر المأمـون ببغـداد وسكـن الهيـج وذلـك سنـة أربع ولى على الكوفة أخاه أبا عيسى وعلى البصـرة أخـاه صالحـاً وعلـى الحرميـن عبـد اللـه بـن الحسين بن عبد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب وعلى الموصل السيد بن أنس الأزدي وولى على الشرطة ببغداد ومعاون السواد طاهر بـن الحسين استقدمه من الرقة وكان الحسن بن سهل ولاه عليها فقدم واستخلف ابنه عبد الله عليهـا‏.‏ ثـم ولـاه المأمـون سنة خمس خراسان وأعمال المشرق كلها واستقدم ابنه عبد الله فجعله على الشرطة ببغداد مكان أبيـه‏.‏ وولـى يحيـى بـن معـاذ علـى الجزيـرة وعيسـى بـن محمـد بـن أبـي خالـد علـى أرمينيـة وأذربيجـان ومحاربـة بابـك‏.‏ ومـات عامـل مصـر السـري بن محمد بن الحكم فولى ابنه عبيـد اللـه مكانـه‏.‏ ومـات داود بـن يزيـد عامـل السند فولى بشر بن داود مكانه على أن يحمل ألف ألف درهم كل سنة ثم مات يحيى بن معاذ سنة ست واستخلف ابنه أحمد فعزله المأمون وولـى مكانـه عبـد اللـه بـن طاهـر وأضـاف إليـه مصـر وسيـره لمحاربـة نصـر بـن شبـث وولـى عيسى بن يزيد الجلودي محاربة الزط سنة خمس ثم عزله سنة ست وولى داود بن منحور مع أعمال البصرة وكـور دجلـة واليمامـة والبحريـن وولـى فـي سنـة سبـع محمـد بـن حفـص علـى طبرستـان والرويـان ودنباونـد‏.‏ وفيهـا أوقـع السيـد بـن أنـس بجماعـة مـن عـرب بنـي شيبـان ووديعـة بما فشا من إفسادهم في البلاد فكبسهم بالدسكرة واستباحهم بالقتل النهب‏.‏

  وفي سنة تسـع

ولـى صدقـة بـن علـي ويعـرف بزريـق علـى أرمينيـة وأذربيجان وأمره بمحاربة بابك وقـام بأمـره أحمـد بـن الجنيـد الإسكافـي فأسـره بابـك فولـى إبراهيـم بـن الليث بن الفضل أذربيجان‏.‏ وكان على جبال طبرستان شهريار بن شروين فمات سنة عشر وقام مكانه ابنه سابور فقتله مازيـار بـن قـارن فـي حـرب أسـره فيهـا وملـك جبـال طبرستـان‏.‏

  وفي سنة إحـدى عشـرة

قتـل زريق بـن علي بن صدقة الأزدي السيد بن أنس صاحب الموصل وقد كان زريق تغلب على الجبال ما بين الموصل وأذربيجان وولاه المأمون عليها فجمع وقصد الموصل لحرب السيد فخرج إليه أربعة آلاف فاشتد القتال بينهم وقتل السيد في المعركة فغضب المأمون لقتله وولى محمد بن حميـد الطوسـي علـى الموصـل وأمـره بحـرب زريـق وبابـك الخرمـي فسار إلى الموصل واستولى عليها سنه اثنتي عشرة‏.‏ ومـات موسى بن حفص عامل طبرستان فولى المأمون مكانه ابنه وولي حاجب بن صالح على الهند فوقعت بينه وبين بشر بن داود صاحب السند حرب وانهزم بشر إلى كرمان‏.‏ ثم قتل محمـد بـن حميـد الطوسـي سنـة أربـع عشـرة قتلـه بابـك الخرمي‏.‏ وذلك أنه لما فرغ من أمر المتغلبين بالموصل سار إلى بابك في العساكر الكاملة الحشد وتجاوز إليه المضايق ووكل بحفظها‏.‏ حتى انتهى إلى الجبل فصعد وقد أكمن بابك الرجال في الشعراء‏.‏ فلمـا جاز ثلاثة فراسخ خرجت عليهم الكمائن فانهزموا وثبت محمد بن حميد حتى إذا لم يبق معـه إلا رجـل واحـد فتسلـل يطلب النجاة فعثر في جماعة من الحربية يقاتلون طائفة من أصحابه فقصدوه وقتلوه وعظم ذلك على المأمون واستعمل عبد الله بن طاهر على خراسان لأنه كان أخاه طلحة بن طاهر مات وقام علي أخوه مكانه خليفة لعبد الله وعبد الله بالدينور يجهز العساكر إلى بابك فولى على نيسابور محمد بن حميد فكثر عيث الخوارج بخراسان فأمره المأمون بالمسير إليها فسار ونزل نيسابور وسأل عـن سيـرة محمـد بـن حميـد فسكتـوا فعزلـه لسكوتهم‏.‏

  وفي سنة اثنتـي عشـرة

خلـع أحمـد بـن محمـد العمري يعرف بالأحمر العين باليمن فولى المأمون ابنه العباس على الجزيرة والثغور والعواصم وأخاه أبا إسحاق المعتصم على الشام ومصر وسير عبـد اللـه بـن طاهـر إلـى خراسان وأعطى لكل واحد منهم خمسمائة ألف درهم وبعث المعتصم أبا عميرة الباذغيسي عاملاً على مصر فوثب به جماعة من القيسية واليمانية‏.‏ فقتلوه سنة أربع عشرة فسار المعتصم إلى مصر فقاتلهم وافتتح مصر وولى عليها واستقامت الأمـور

  وفي سنة ثلـاث عشـرة

ولـى المأمـون غسان بن عباس على السند لما بلغه خلاف بشر بن داود‏.‏

  وفي سنة أربع عشرة

استقدم المأمون أبا دلف وكان بالكرخ من نواحي همذان منذ سار مع عيسـى بـن ماهـان لحرب طاهر وقتل عيسى فعاد إلى همذان وراسله طاهر يدعوه إلى البيعة فامتنـع‏.‏ وقـال لـه ولا أكـون مع أحد وأقام بالكرخ‏.‏ فلما خرج المأمون إلى الري أرسل إليه يدعوه فسـار نحـوه وجـلاً بعـد أن أغـرى عليـه أصحابـه الامتنـاع‏.‏

  وفي سنة أربع عشرة

قتل باليمن وفيها ولى المأمون علي بن هشام الجبل وقم وأصبهان أذربيجان وخلع أهل قم وكانوا سألوا الحطيطة من خراجهم وهو ألف ألف درهم لأن لمأمون لما جاء من العراق أقام بالري أياماً وخفـف عنهـم مـن الخـراج فطمع أهل قم في مثلها فأبى فامتنعوا من الأداء فسرح إليهم علي بن هشـام وعجيف بن عنبسة وظفروا بهم وقتلوا يحيى بن عمران وهدموا سورها وجبوها على سبعة آلاف ألف‏.‏

  وفي سنة سـت عشـرة

ظهـر عبدوس الفهري بمصر وقتل بعض عمال المعتصم فسار المأمون إلى مصر وأصلحها وأتى بعبدوس فقتله وقدم من برقة وأقام بمصر‏.‏ وفيها غضب المأمون على علـي بـن هشـام ووجه عجيفاً وأحمد بن هشام لقبض أمواله وسلاحه لما بلغه من عسفه وظلمه وأراد قتـل عجيف واللحاق ببابك فلم يقدر وظفر به عجيف وجاء به إلى المأمون فأمر بقتله وطيـف برأسـه فـي الشـام والعـراق وخراسـان ومصـر ثـم ألقـي فـي البحـر‏.‏ وقـدم غسـان بـن عباد من السنـد ومعـه بشـر بـن داود متسأمنـاً فولـى على السند عمران بن موسى العكي وهرب جعفر بن داود القمـي إلى قم فخلع وكان محبوساً بمصر منذ عزله المأمون عن قم فهرب الآن وخلع فغلبه علي بن عيسى القمي وبعث به إلى المأمون فقتل‏.‏

  وفي سنة مائتين

قتل الروم ملكهم إليون لسبع سنين ونصف من ملكه وأعادوا ميخاييل بن جرجـس المخلوع وبقي عليهم تسع سنين‏.‏ ثم مات سنة خمس عشرة وملك ابنه نوفل‏.‏ وفتح عبد الله بن خرداذبة والي طبرستان البلاد والسيرن من بلاد الديلم وافتتح جبال طبرستان وأنزل شهريار بن شروين عنها وأشخص مازيار بن قارن إلى المأمون وأسر أبا ليل ملك الديلم وذلك سنة إحدى ومائتين‏.‏ وفيها ظهر بابك الخرمي في الجاوندانية أصحاب جاوندان سهل وتفسيره الدائم الباقي‏.‏ وتفسير خرم فرح وكانوا يعتقدون مذاهب المجوس‏.‏

  وفي سنة أربع عشرة

خرج أبو بلال الصابي الشاري فسرح إليه المأمون ابنه العباس في جماعة من القواد وقتلوه‏.‏

  وفي سنة خمـس عشـرة

دخـل المأمون بلاد الروم بالصائفة وسار عن بغداد في المحرم واستخلف عليهـا إسحـاق بـن إبراهيـم بـن مصعب وهو ابن عم طاهر وولاه السواد وحلوان وكور دجلة ولما وصل تكريت لقيه محمد بن علي الرضا فأجازه وزف إليه ابنته أم الفضل وسار إلى المدينة فأقام بها وسار المأمون على الموصل إلى منبج ثم دابق ثم أنطاكية ثم المصيصة وطرسوس‏.‏ ودخـل مـن هنالـك فافتتـح حصـن قـرة عنـوةً وهدمـه‏.‏ وقيـل بـل فتحه على الأمان وفتح قبله حصن ماجد كذلك‏.‏ وبعثه أشناس إلـى حصـن سـدس ودخـل ابنـه العبـاس ملطيـة ووجـه المأمـون عجيفاً وجعفر الخياط إلى حصن سنان فأطاع‏.‏ وعاد المعتصم من مصر فلقي المأمون قبل الموصـل ولقيه العباس ابنه برأس عين‏.‏ وجاء المأمون منصرفه من العراق إلى دمشق ثم بلغه أن الروم أغاروا على طرسوس والمصيصة وأثخنوا فيهم بالقتل‏.‏ وكتب إليه ملك الروم فيه بنفسه فرجع إليهم وافتتح كثيراً من معاقلهم وأناخ على هرقلة حتى استأمنوا وصالحوه وبعث المعتصم فافتتح ثلاثين حصنًا منها مطمورة وبعث يحيى بن أكثم فأثخـن فـي البلـاد وقتـل وحـرق وسبـى‏.‏ ثـم رجـع المأمـون إلـى كيسـوم فأقـام بها يومين ثم ارتحل إلى دمشق‏.‏

  وفي سنة سبـع عشـرة

رجـع المأمون إلى بلاد الروم فأناخ على لؤلؤة فحاصرها مائة يوم ثم رحل عنها وخلف عجيفاً على حصارها‏.‏ وجاء نوفل ملك الروم فأحاط به فبعث إليه المأمون بالمدد فارتحل نوفل واستأمن من أهل لؤلؤة إلى عجيف وبعث نوفل في المهادنة والمأمون على سلويـن فلـم يجبـه‏.‏ ثـم رجـع المأمـون سنـة ثمان عشرة وبعث ابنه العباس إلى بناء طوانة فبنى بها ميلاً في ميل ودورها أربعة فراسخ وجعل لها أربعة أبواب ونقل إليها الناس من البلدان‏.‏ وفاة المأمون وبيعة المعتصم ثم مرض المأمون على نهر البربرون واشتد مرضه ودخل العراق وهو مريض فمات بطرسوس وصلى عليه المعتصم وذلك لعشرين سنة من خلافته وعهد لابنه المعتصم وهو أبو إسحاق محمد فبويع له بعد موته وذلك منتصف رجب من سنة ثمان عشرة ومائتين‏.‏ وشغب الجند وهتفوا باسم العباس بن المأمون فأحضره وبايع فسكتوا وخرب لوقته ما كان بناه من مدينة طوانة وأعاد الناس إلى بلادهم وحمل ما أطاق حمله من الألة وأحرق الباقي‏.‏ ظهور صاحب الطالقان وهـو محمـد بـن القاسم بن علي بن عمر بن علي زيد العابدين بن الحسين كان ملازماً للمسجد بالمدينـة فلزمـه شيطـان مـن أهـل خراسـان وزيـن لـه أنـه أحـق بالإمامـة وصـار يأتيـه بحجاج خراسـان يبايعونـه‏.‏ ثـم خـرج بـه إلـى الجوزجـان وأخفـاه وأقبل على الدعاء له ثم حمله على إظهار الدعـوة للرضـا مـن آل محمـد علـى عـادة الشيعـة في هذا الإيهام كما قدمناه‏.‏ وواقعه قواد عبد الله بـن طاهـر بخراسـان المـرة بعـد المـرة فهزمـوه وأصحابـه وأخرج ناجياً بنفسه ومر بنسا فوشي به إلى العامـل فقبـض عليـه وبعثـه إلـى عبـد اللـه بـن طاهـر فبعثـه إلـى المعتصـم منتصـف ربيع أول سنة تسع عشرة فحبسه عند الخادم مسرور الكبير ووكل بحفظه فهرب من محبسه ليلة الفطر من سنته ولم يوقف له على خبر‏.‏ وهم قوم من أخلاط الناس غلبوا على طريق البصرة وعاثوا فيها وأفسدوا البلاد وولوا عليهم رجـلاً منهـم اسمـه محمـد بـن عثمـان وقام بأمره آخر منهم اسمه سماق‏.‏ بعث المعتصم لحربهم في هذه السنة عجيف بن عنبسة في جمادى الآخرة فسار إلى واسط وحاربهم فقتل منهم في معركة ثلاثمائة وأسر خمسمائة ثم قتلهم وبعث برؤوسهم إلى باب المعتصم وأقام قبالتهم سبعة أشهـر‏.‏ ثـم استأمنـوا إليـه فـي ذي الحجـة آخـر السنـة جـاؤوا بأجمعهـم فـي سبعـة وعشرين ألفاً المقاتلة منهم اثنا عشر ألفاً فعباهم عجيف في سفن على هيئتهم في الحرب ودخل بهم بغداد في عاشـوراء سنـة عشريـن وركـب معتصـم إلـى الشماسـة فـي سفينـة حتى رآهم ثم غربهم إلى عين زربة فأغارت عليهم روم فلم يفلت منهم أحد‏.‏ بناء سامرا كان المعتصم قد اصطنع قوماً من أهل الحرف بمصر وسماهم المطاربة وقومـاً مـن سمرقنـد وأشروسنة وفرغانة وسماهم الفرغانة وأكثر من صبيانهم وكانوا يركضون الدواب فـي الطـرق ويختلفون بها ركضاً فيصدمون النساء والصبيان فتتأذى العامة بهم وربما انفرد بعضهم فقتلوه‏.‏ وتأذى الناس من ذلك ونكروه وربما أسمعوا النكير للمعتصم فعمد إلى بناء القاطون وكانت مدينة بناها الرشيد ولم يستتمها وخربت فجددها المعتصم وبناها سنة عشرين وسماها سر من رأى فرخمها الناس سامرا وصارت داراً لملكهم من لـدن المعتصـم ومـن بعـده واستخلـف ببغداد حتى انتقل إليها ابنه الواثق‏.‏ نكبة الفضل بن مروان كان للمعتصم في ولاية أخيه كاتب يعرف بيحيى الجرمقابي واتصل به الفضل بن مروان وهو من البردان وكان حسن الخط‏.‏ فلما هلك الجرمقابي استكتبه المعتصم وسار معه إلى الشام فأثرى‏.‏ ولما استخلف المعتصم استولى على هواه واستتبع الدواوين واحتجر الأموال ثم صار يرد أوامر المعتصم في العطايا ولا ينفذها واختلفت فيه السعايات عند المعتصم ودسوا عليه عنـده مـن مـلأ مجلسـه ومساخـره من يعير المعتصم باستبداده عليه ورد أوامره فحقد له ذلك‏.‏ ثم نكبـة سنـة عشريـن وصـادره وجميـع أهـل بيتـه وجعل مكانه محمد بن عبد الملك بن الزيات وغرب الفضل إلى بعض قرى الموصل‏.‏ محاربة بابك الخرمي قـد تقـدم لنا حديث بابك الخرمي وظهوره سنة اثنتين ومائتين بدعوة جاوندان بن سهل واتخذ مدينة البذ لامتناعه وتولى المأمون حروبه فهزم عساكره وقتل جماعة من قواده وخرب الحصون فيمـا بيـن أردبيـل وزنجـان فلمـا ولـي المعتصـم بعـث أبـا سعيـد محمـد بن يوسف فبنى الحصون التي خربهـا وشحنهـا بالرجـال والأقـوات وحفـظ السابلـة الجلـب الميـرة‏.‏ وبينمـا هو في ذلك أغارت بعض سرايـا بابك بتلك النواحي فخرج في طلبهم واستنقذ ما أخذوه وقتل كثيراً وأسر أكثر وبعث بالرؤوس والأسرى إلى المعتصم‏.‏ وكان ابن البعيث أيضاً في قلعة له حصينة من كور أذربيجان ملكها من يد ابن الرواد وكان يصانع بابك ويضيف سراياه إذا مروا به‏.‏ ومر به في هذه الأيام قائده عصمة وأضافه على العادة ثم قبض عليه وقتل أصحابه وبعث به إلى المعتصم فسأله عن عورات بلاد بابك فدله عليهـا‏.‏ ثـم حبسـه وعقـد لقائـده الأفشيـن حيدر بن كاوس على الجبال ووجهه لحرب بابك فسار إليهـا ونـزل بساحتهـا وضبـط الطرقات ما بينه وبين أردبيل وأنزل قواده في العساكر ما بينه وبين أردبيـل يتلقـون الميـرة مـن أردبيـل من واحد إلى الآخر حتى تصل عكسر الأفشين‏.‏ وكان إذا وقع بيده أحد من جواسيس بابك يسأله عن إحسان بابك إليه فيضاعفه ويطلقه‏.‏ ثم إن المعتصم بعـث بغـا الكبيـر بمـدد الأفشيـن بالنفقـات وسمع بابك فاعتزم على اعتراضه وأخبر الأفشين بذلك بعض جواسيسهم فكتب إلى بغا أن يرتحل من حصن النهرقيلا ثم يرجع إلى أردبيل ففعل ذلك‏.‏ وجاءت الأخبار إلى بابك وركب الأفشين في يوم موادعته لبغا وأغذ المسير وخرجت سرية بابك فلقيت قافلة النهر ولم يصادفوا بغا فيها فقتلوا من وجدوا فيها من الجند وفاتهم المال‏.‏ ولقوا في طريقهم الهيثم من قواد الأفشين فهزموه وامتنع بحصنه ونزل بابك عليه يحاصره وإذا بالأفشيـن قـد وصـل فأوقـع بهـم وقتـل الكثيـر من جنده ونجا بابك إلى موقان وأرسل إلى عسكره فـي البـر فلحقـت بـه وخـرج معهـم مـن موقـان إلـى البـذ‏.‏ ولمـا رجـع الأفشيـن إلـى عسكـره استمر على حصار بابك وانقطعت عنه الميرة من سائر النواحي ووجه صاحب مراغة إليه ميرة فلقيتها سرية من سرايا بابك فأخذوها ثم خلص إليه بغا بما معه من المال ففرقه في العساكر وأمر الأفشيـن قـواده فتقدمـوا ليضيقوا الحصار على بابك في حصن البذ ونزل على ستة أميال منه‏.‏ وسـار بغـا الكبيـر حتـى أحـاط بقريـة البـذ وقاتلهـم وقتلـوا منهم جماعة فتأخر إلى خندق محمد بن حميـد مـن القـواد وبعـث إلـى الأفشيـن فـي المـدد فبعـث إليـه أخاه الفضل وأحمد بن الخليل بن هشام وأبا خوس وصاحب شرطة الحسن بـن سهـر وأمـره بمناجزتهـم إلـى الحـرب فـي يـوم عينـه لـه فركبـوا فـي ذلك اليوم وقصدوا البذ وأصابهم برد شديد ومطر‏.‏ وقاتل الأفشين فغلب من بإزائه من أصحاب بابك واشتد عليهم المطر فنزلوا واتخذ بغا دليلاً أشـرف بـه علـى جبـل يطـل منـه على الأفشين ونزل عليهم الثلج والضباب فنزلوا منازلهم‏.‏ وعمد بابـك إلـى الأفشيـن ففـض معسكـره وضجـر أصحـاب بغـا مـن مقامهـم فـي رأس الجبـل فارتحل بهم ولا يعلـم مـا تـم علـى الأفشيـن وقصـد حصـن البـذ فتعـرف خبـر الأفشيـن ورجع على غير الطريق الذي دخلوا منه لكثرة مضايقه وعقباته وتبعته طلائع بابك فلم يلتفت إليهم مسابقة للمضايق أمامه‏.‏ وأجنهم الليل وخافوا على أثقالهم وأموالهم فعسكر بهم بغا من رأس جبل وقد تعبوا وفنيت أزوادهـم وبيتهـم بابـك ففضهـم ونهبـوا مـا كـان معهم من المال والسلاح ونجوا إلى خندقهم الأول في أسفل الجبل وأقام بغا هنالك‏.‏ وكـان طرخـان كبيـر قـواد بابـك قـد استأذنه أن يشتوا بقرية في ناحية مراغة فأرسل الأفشين إلى بعض قواده بمراغة فأسرى إليه وقتله وبعث برأسه‏.‏ ودخلت سنة اثنتين وعشرين فبعث المعتصم جعفراً الخياط بالعساكر مدداً للأفشين وبعث أتياخ بثلاثين ألف ألف درهم لنفقات الجند فأرسلها وعاد ورحل الأفشين لأول فصل الربيع ودنـا مـن الحصـن وخنـدق علـى نفسـه‏.‏ وجاءه الخبر بأن قائد بابك واسمه أدين قد عسكر بإزائه وبعث عياله إلى بعض حصون الجبل فبعث الأفشين بعض قواده لاعتراضهم فسلكوا مضايق وتملقوا وأغـاروا إلـى أن لقـوا العيـال فأخذوهـم وانصرفـوا وبلـغ الخبـر أديـن فركـب لاعتراضهـم وحاربهم واستنقذ بعض النساء‏.‏ وعلـم بشأنهـم الأفشين من علامات كان أمرهم بها أن رأى بهم ريباً فركب إليهم فلما أحسوا به فرجوا عن المضيق ونجا القوم وتقدم الأفشين قليلاً قليلاً إلى حصن البد وكان يأمـر النـاس بالركوب ليلاً للحراسة خوف البيات فضجر الناس من التعب وارتاد في رؤوس تلك الجبال أماكـن يتحصـن فيهـا الرجالـة فوجـد ثلاثـة فأنـزل فيهـا الرجالـة بأزوادهـم وسـد الطرق إليها بالحجارة وأقام يحاصرهم‏.‏ وكان يصلي الصبح بغلس ثم يسير زحفاً ويضرب الطبول ليزحف الناس لزحفه فـي الجبـال والأوديـة علـى مصافهـم وإذا أمسـك وقفـوا‏.‏ وكـان إذا أراد أن يتقـدم المضيق الذي أتى منه عام أول خلف به عسكراً على رأس العقبة يحفظونه لئلا يأخذه الحرس منه عليهم‏.‏ وكان بابك متى زحفوا عليه كمن عسكراً تحت تلك العقبة واجتهد الأفشين أن يعـرف مكـان الكميـن فلـم يطـق‏.‏ وكـان يأمـر أبا سعيد وجعفراً الخياط وأحمد بن الخليل بن هشام فيتقدمـون إلى الوادي في ثلاثة كراديس ويجلس على تلك ينظر إليهم وإلى قصر بابك‏.‏ ويقف بابك قبالته في عسكر قليل وقد أكمن بقية العسكر فيشربون الخمر ويلعبون بالسرياني فإذا صلـى الأفشيـن الظهـر رجـع إلـى خندقـه بـروذ الـروز مصافـاً بعـد مصـاف الأقـرب إلـى العـدو ثـم الذي يليه وآخرين ترجع العسكر الذي عقبه المضيق حتى ضجرت الخرمية من المطاولة وانصـرف بعض الأيام وتأخر جعفر فخرج الخرمية من البد على أصحابه فردهم جعفر على أعقابهم وكان مع أبي دلف من أصحاب جعفر قوم من المطوعة فضيقوا على أصحاب بابك وكانوا يصدعون البذ وبعث جعفر إلى الأفشين يستمده خمسمائة راجل من الناشبة فأتى له وأمره بالتحيل في الانصراف وتعلق أولئك المطوعة بالبذ وارتفع الصياح وخرج الكمناء من تحـت العقبة وتبين الأفشين أماكنهم واطلع على خدعتهـم‏.‏ وانصـرف جعفـر إلـى الأفشيـن وعاتبـه فاعتذر إليه يستأمن الكمين وأراه مكانه فانصرف عن عتابه وعلم أن الرأي معه‏.‏ وشكا المطوعة ضيق العلوفة والزاد فأذن لهم في الانصراف وتناولوه بألسنتهم ثم طلبوه في المناهضة فأذن لهم ووادعهم ليوم معلوم وتجهز وحمل المال والزاد والماء والمحامل لجرجا وتقدم إلى مكانه بالأمس وجهز العسكر على العقبة على عادته‏.‏ وأمر جعفراً بالتقدم بالمطوعة وأن يأتوا من أسهل الوجوه وأطلق يده بمن يريده من الناشبة والنفاطيـن وتقـدم جعفـر إلـى مكانـه بالأمس والمتطوعة معه فقاتلوا وتعلقوا بسور البذ حتى ضـرب جمعهـم مـا بـه وجـاء الفعلـة بالفؤوس وطيف عليهم بالمياه والإزودة‏.‏ ثم جاء‏.‏ الخرمية من الباب وكسروا على المطوعة وطرحوهم على السور ورموهم بالحجارة فنالت منهم وضعفوا عن الحرب ثم تحاجزوا آخر يومهم وأمرهم الأفشين بالانصراف وداخلهم اليأس من الفتح تلك السنة وانصرف أكثر المطوعة‏.‏ ثـم عـاود الأفشيـن الحرب بعد أسبوعين وبعث من جوف الليل ألفًا من الناشبة إلى الجبل الذي وراء البذ حتى يعاينوا الأفشين من هذه الناحية فيرمون على الخرمية‏.‏وبعث عسكراً آخر كميناً تحت ذلك الجبل الذي وراء البذ وركب هو من الغداة إلى المكان الذي يقف فيه على عادتـه‏.‏ وتقـدم جعفـر الخيـاط والقـواد حتى صاروا جميعاً حول ذلك الجبل فوثب كمين بابك من أسفل الجبل بالعسكر الذي جاء إليه لما فضحهم الصبح انحدر الناشبة من الجبل وقد ركبوا الأعلـام علـى رماحهـم وقصدوا جميعاً أدين قائد بابك في جفلة فانحدر إلى الوادي فحمل عليه جماعة من أصحاب القواد فرمى عليهم الصخور من الجبل وتحدرت إليهم‏.‏ ولمـا رأى ذلك بابك استأمن للأفشين على أن يحمل عياله من البذ وبينما هم في ذلك إذ جاء الخبـر إلـى الأفشيـن بدخـول البـذ‏.‏ وأن الناس صعدوا بالأعلام فوق قصور بابك حتى دخل وادياً هنالـك‏.‏ وأحـرق الأفشيـن قصـور بابك وقتل الخرمية عن آخرهم وأخذ أمواله وعياله ورجع إلى معسكره عند المساء وخالفه بابك إلى الحصن فحمـل مـا أمكنـه مـن المـال والطعـام‏.‏ وجـاء الأفشيـن مـن الغـد فهـدم القصـور وأحرقها وكتب إلى ملوك أرمينية وبطارقتهم بإذكاء العيون عليه في نواحيهـم حتـى يأتـوه بـه‏.‏ ثـم عثـر علـى بابـك بعـض العيـون فـي واد كثيـر الغيـاض يمـر مـن أذربيجـان إلى أرمينية فبعث من يأتي فلم يعثروا عليه لكثرة الغياض والشجر‏.‏ وجاء كتاب المعتصم بأمانه فبعث به الأفشين بعض المستأمنة من أصحاب بابك فامتنع من قبولـه‏.‏ وقتـل بعضهـم ثـم خرج من ذلك الوادي هو وأخوه عبد الله ومعاوية وأمه يريدون أرمينية ورآهم الحرس الذين جاؤوا لأخـذه وكـان أبـو السفـاح هـو المقـدم عليهـم فمـروا فـي أتباعهـم وأدركوهم على بعض المياه فركب ونجا وأخذ أبو السفاح معاوية وأم بابك وبعـث بهـم إلـى الأفشيـن‏.‏ وسـار بابـك فـي جبـال أرمينيـة مختفيـاً وقـد أذكـوا عليـه العيـون حتـى إذا مسـه الجـوع بعث بعض أصحابه بدنانير لشراء قوتهم فعثر به بعض المسلحة‏.‏ وبعث إلى سهل بن ساباط فجاء واجتمع بصاحب بابك الذي كانت حراسة الطريق عليه ودله على بابك فأتاه وخادعه حتى سار إلى حصنه وبعث بالخبر إلى الأفشين فبعث إليه بقائدين من قبله وأمرهما بطاعة ابن ساباط فأكمنهما في بعض نواحي الحصن وأغرى بابك بالصيـد وخـرج معـه‏.‏ فخـرج القائـدان مـن الكمين فأخذاه وجاء به إلى الأفشين ومعهما معاوية بن سهـل بـن سابـاط فحبسـه ووكـل بحفظه وأعطى معاوية ألف درهم وآتى سهلاً ألف ألف درهم ومنطقة مفرقة بالجوهر‏.‏ وبعث إلى عيسى بن يوسف بن أسطقانوس ملك البيلقان يطلب منه عبـد الله أخا بابك وقد كان لجأ إلى حصنه عندما أحاط به ابن ساباط فأنفذه إليه وحبسه الأفشين مع أخيه‏.‏ وكتـب إلـى المعتصـم فأمـره بالقـدوم بهمـا وذلك في شوال من سنة اثنتين وعشرين وسار الأفشين بهمـا إلـى سامـرا فكـان يلقـاه فـي كـل رحلـة رسـول من المعتصم بخلعة وفرس‏.‏ ولما قرب من سامرا تلقاه الواثق وكبر لقدومه وأنزل الأفشين وبابك عنده بالمطيرة وتوج الأفشين وألبسه وشاحين ووصلـه بعشرين ألف ألف درهم وعشرة آلاف ألف درهم يفرقها في عسكره وذلك في صفر سنة ثلاث وعشرين‏.‏ وجـاء أحمـد بـن أبي داود إلى بابك متنكراً وكلمه ثم جاء المعتصم أيضاً متنكراً فرآه‏.‏ ثم عقد من الغد واصطف النظارة سماطين وجيء ببابك راكباً على الفيل‏.‏ فلما وصل أمر المعتصم بقطع أطرافه ثم بذبحه وأنفذ رأسه إلى خراسان وصلب شلوه بسامرا وبعث بأخيه عبد الله إلى إسحاق بن إبراهيم ببغداد ليفعل به مثل ذلك ففعل‏.‏ وكان الذي أنفق الأفشين في مدة حصاره لبابك سوى الأرزاق والأنزال والمعاون عشرة آلاف ألـف درهـم يـوم ركوبـه لمحاربتـه وخمسة آلاف يوم قعوده‏.‏ وجميع من قتل بابك في عشرين سنة أيام قتيبة مائة ألف وخمسة وخمسيـن ألفـاً وهزم من القواد يحيى بن معاذ وعيسى بن محمد بن أبي خالد وأحمد بن الجنيد وزريـق بـن علـي بـن صدقـة ومحمـد بـن حميـد الطوسي وإبراهيم بن الليث‏.‏ وكان الذين أسروا مع بابك ثلاثة آلاف وثلثمائة الذي استنقذ من يديه من المسلمات وأولادهن سبعة آلاف وستمائة إنسـان جعلـوا فـي حظيـرة فمـن أتـى مـن أوليائهـم وأقـام بينه على أحد منهم أخذه والذي صار في فتح عمورية

  وفي سنة ثلـاث وعشريـن

خـرج نوفـل بـن ميخاييل ملك الروم إلى بلاد المسلمين فأوقع بأهل زبطرة لأن بابك لما أشرف على الهلاك كتب إليه أن المعتصم قد وجه عساكره حتى خياطة يعني جعفر بن دينار وطباخة يعني إيتاخ ولم يبق عنده أحد فانتهز الفرصة ثلاثاً أو دونها‏.‏ وظن بابك أن ذلك يدعو المعتصم إلى إنفاذ العساكر لحرب الروم فيخف عنه ما هو فيه‏.‏ فخرج نوفـل فـي مائة ألف وفيهم من المجمرة الذين كانوا خرجوا بالجبال وهزمهم إسحاق بن إبراهيم بن مصعـب فلحـق بالروم وبلغ نوفل زبطرة فاستباحها قتلاً وسبياً وأعاد على ملطية وغيرها ومثل بالأسـرى‏.‏ وبلـغ الخبـر إلى المعتصم فاستعظمه وبلغه أن هاشميةً صاحت وهي في أيدي الروم‏:‏ وامعتصماه‏:‏ فأجاب وهو سريره لبيك لبيك‏.‏ ونادى بالنفير ونهض من ساعته فركب دابته واحتقب شكالاً وسكة من حديد فيها رداؤه‏.‏ وجمـع العساكـر وأحضـر قاضـي بغـداد عبـد الرحمـن بـن إسحـاق ومعـه ابـن سهل في ثلاثمائة وثلاثين من العدول فأشهدهم بما وقف من الضياع ثلثاً لولده وثلثًا لمواليه وثلثـاً لوجـه اللـه‏.‏ وسـار فعسكـر بقـرى دجلـة لليلتيـن مـن جمـادى الأولى وبعث عجيف بن عنبسة وعمر الفرغاني وجماعة مـن القـواد مـدداً لأهـل زبطـرة فوجـدوا الـروم قـد ارتحلـوا عنهـا فأقامـوا حتـى تراجـع النـاس واطمأنوا‏.‏ ولمـا ظفـر ببابـك سـأل أي بلـاد الروم أعظم عندهم فقيل له عمورية فتجهز إليها بما لا يماثله أحد قبلـه من السلاح والآلة والعدد وحياض الأدم والقرب والروايا وجعل مقدمته أشناس وبعده محمد بن إبراهيم بن مصعب وعلى الميمنة إيتاخ وعلى الميسرة جعفر بن دينار الخياط وغلى القلب عجيف بن عنبسة‏.‏ وجاء إلى بلاد الروم فأقام بسلوقية على نهر السن قريباً من البحر وعلى مسيـرة يـوم مـن طرطـوس وبعـث الأفشيـن إلـى سـروج وأمـره بالدخـول مـن درب الحـرب وبعث أشناس من درب طرطوس وأمره بانتظاره بالصفصاف وقدم وصيفاً في أثـر أشنـاس وواعدهـم يـوم اللقاء‏.‏ ورحل المعتصم لست بقين من رجب وبلغه الخبر أن ملك الـروم عـازم علـى كبـس مقدمته فبعث إلى أشناس بذلك وأن يقيم ثلاثة أيام ليلحق به‏.‏ ثـم كتـب إليـه أن يبعـث إليـه مـن قـواده من يأتيه بخبر الروم وملكهم فبعث عمر الفرغاني في مائتي فارس فطاف في البلاد وأحضر جماعة عند أشناس أخبروه بأن ملك الروم بينما هو ينتظر المقدمة ليواقعها إذ جاءه الخبر بأن العساكر دخلت من جهة أرمينيـة يعنـي عسكـر الأفشيـن فاستخلف ابن خاله على عسكره وسار إلى تلك الناحية فوجه أشناس بهم إلى المعتصم‏.‏ وكتب المعتصم إلى الأفشين بالمقام حذراً عليه وجعل لمن يوصل الكتاب عشرة آلاف درهم وأوغل في بلاد الروم فلم يدركه الكتاب‏.‏ وكتب المعتصم إلى أشناس بأن يتقدم والمعتصم في أثره حتى إذا كانوا على ثلاث مراحل من أنقرة أسر أشناس في طريقه جماعة من الروم فقتلهم وقال لهم شيخ منهم أنا أدلك على قوم هربـوا مـن أنقـرة معهـم الطعـام والشعيـر فبعـث معه مالك بن كرد في خمسمائة فارس فدل بهم إلى مكان أهل أنقرة فغنموا منهم ووجدوا فيهم جرحى قد حضروا وقعة ملك الروم مع الأفشين وقالـوا‏:‏ لمـا استخلـف علـى عسكـره سـار إلـى ناحيـة أرمينيـة فلقينا المسلمين صلاة الغداة فهزمناهم وقتلنا رجالهم وافترقت عساكرنا في طلبهم ثم رجعوا بعد الظهر فقاتلونا وحرقوا عسكرنا وفقدنا الملك وانهزمنا ورجعنا إلى العسكر فوجدناه قد انتقض‏.‏ وجاء الملك من الغد فقتل نائبـه الـذي استخلفـه وكتـب إلـى بلـاده بعقاب المنهزمين ومواعدتهم بمكان كذا ليلقى المسلمين بها‏.‏ ووجـه خصيـاً لـه إلـى نقـرة ليحفظهـا فوجد أهلها قد أجلوا فأمره الملك بالمسير إلى عمورية فوعى مالك بن كرد خبرهم ورجع بالغنيمة والأسرى إلى أشناس وأطلق الأمير الذي دله‏.‏ وكتـب أشنـاس بذلـك إلى المعتصم ثم جاء البشير من ناحية الأفشين بالسلامة وإن الوقعة كانت لخمس بقين مـن شعبـان‏.‏ وقـدم الأفشيـن علـى المعتصـم بأنقـرة ورحـل بعـد ثلـاث والأفشيـن فـي ميمنتـه وأشناس في ميسرته وهو في القلب وبين كل عسكر وعسكر فرسخان وأمرهم بالتخريب والتحريق ما بين أنقرة وعمورية‏.‏ ثم وافى عمورية وقسمها على قواده وخرج إليه رجل من المنتصرة فدله على عورة من السور بني ظاهره وأخل باطنه فضرب المعتصم خيمته قبالته ونصبت عليه المجانيق فتصـدع السـور‏.‏ وكتـب بطريقهـا باطيـس والخصـي إلـى الملـك يعلمانـه بشأنهما في السـور وغيـره فوقـع فـي يـد المسلميـن مـع رجليـن‏.‏ وفـي الكتـاب أن باطيـس عـازم علـى أن يخرج ليلاً ويمر بعسكر المسلمين ويلحق بالملك فنادى المعتصم حرسه‏.‏ ثم انثلمت فوهة من السور بين جين وقد كان الخندق طم بأوعية الجلود المملوءة تراباً‏.‏ ثم ضرب بالذبالات عليها فدحرجهـا الرجـال إلـى السـور فنشبـت فـي تلـك الأوعيـة وخلـص مـن فيهـا بعـد الجهد‏.‏ ولما جاء من الغد بالسلالم والمنجنيقات فقاتلوهم على تلك الثلمة وحارب وبدر بالحرب أشناس وجمعت المنجنيقات على تلك الثلمة‏.‏ وحارب في اليوم الثاني الأفشين والمعتصم راكب إزاء الثلمـة وأشناس وأفشين وخواص الخدام معه‏.‏ ثم كانت الحرب في اليوم الثالث على المعتصم وتقدم إيتاخ بالمغاربة والأتراك واشتد القتال على الروم إلى الليل وفشت فيهم الجراحات ومشى بطريق تلك الناحية إلـى رؤسـاء الـروم وشكـا إليهم واستمدهم فأبوا‏.‏ فبعث إلى المعتصم يستأمن فأمنه وخرج من الغد إلى المعتصم وكان اسمه وندوا فبينما هو والمعتصم يحادثه أومأ عبد الوهاب بن علي من بين يديه إلى المسلمين بالدخول فافتتحوا من الثلمة ورآهم وندوا فخاف فقال له المعتصم‏:‏ كل شيء تريده هو لك‏.‏ ودخل المسلمون المدينة وامتنع الروم بكنيستهم وسطها فأحرقها المسلمون عليهم‏.‏ وامتنع باطيس البطريق في بعض أبراجها حتى استنزله المعتصم بالأمان وجاء الناس بالأسرى والسبي من كل جانب واصطفى الأشراف وقتل من سواهم وبيعت مغانمهم في خمسة أيام وأحـرق الباقـي‏.‏ ووثـب الناس على المغانم في بعض الأيام ينهبونها فركب المعتصم وسار نحوهم فكفـؤوا بعموريـة فهدمـت وأحرقت وحاصرها خمسة وخمسين يوماً من سادس رمضان إلى آخر شـوال وفـرق الأسـرى علـى القـواد ورجـع نحـو طرطـوس‏.‏ ولـم يـزل نوفـل مملكـاً علـى الـروم إلى أن هلك سنة تسع وعشرين ومائتين في ولاية الواثق ونصبوا ابنه ميخاييل في كفالة أمه ندورة فأقامت عليهم ست سنين ثم اتهمها ابنها ميخاييل بقمط من أقماطها عليها وألزمها بيتها سنة ثلاث وثلاثين‏.‏

  حبس العباس بن المأمون ومهلكه

كـان المعتصـم يقـدم الأفشيـن علـى عجيـف بـن عنبسـة ولمـا بعثـه إلـى زبطـرة لـم يطلـق يـده في النفقات كما أطلق للأفشين وكان يستقصر شأن عجيف وأفعاله فطوى عجيف على النكث ولقي العبـاس بـن المأمـون فعذلـه علـى قعوده عند وفاة المأمون عن الأمر حتى بويع المعتصم وأغراه قبلاً فـي ذلـك فقبـل العبـاس منـه ودس رجـلاً من بطانته يقال له السمرقندي قرابة عبد الله بن الوضاح وكان له أدب ومداراة فاستأمن له جماعة من القواد ومن خواص المعتصم فبايعوه وواعد كل واحد منهم أن يثب بالقائد الذي معه فيقتله من أصحاب المعتصم والأفشين وأشناس بالرجوع إلى بغداد فأبى من ذلك وقال‏:‏ لا أفسد العراق‏.‏ فلما فتحت عمورية وصعب التدبير بعض الشيء أشار عجيف بأن يضع من ينهب الغنائم فإذا ركب المعتصم وثبوا به ففعلوا مثل ما ذكرنا‏.‏ وركب فلم يتجاسر عليه‏.‏ وكان للفرغاني قرابة غلام أمرد في جملة المعتصم فجلس مع ندمان الفرغاني تلك الليلة وقص عليهم ركوب المعتصم فأشفق الفرغاني وقال يا بني أقلل من المقام عند أمير المؤمنين والزم خيمتك وإن سمعت هيعةً فلا تخرج فأنت غلام غـر ثـم ارتحـل المعتصـم إلـى الثغـور وتغيـر أشنـاس علـى عمـر الفرغانـي وأحمـد بـن الخليـل وأساء إليهما فطلبا من المعتصم أن يضمهما إلى من شاء وشكيا من أشناس فقال له المعتصم أحسن أدبهما فحبسهما وحملهما على بغل‏.‏ فلما صار بالصفصاف حدث الغلام ما سمع من قريبه عمر الفرغاني فأمر بغا أن يأخذه من عند ثم دفع أحمد بن الخليل إلى أشناس عنده نصيحة للمعتصم وأخبره خبر العباس بن المأمون والقـواد والحـارث السمرقندي فأنفذ أشناس إلى الحارث وقيده وبعث به إلى المعتصم وكان في المقدمـة فأخبـر الحـارث المعتصـم بجلية الأمر فأطلقه وخلع عليه ولم يصدقه على القواد لكثرتهم‏.‏ ثم حضر العباس بن المأمون واستحلفه أن لا يكتم عنه شيئاً فشرح له القصة فحبسه عند الأفشيـن وتتبـع القـواد بالحبـس والتنكيـل وقتـل منهـم المشاء بن سهيل ثم دفع العباس للأفشين فلما نـزل منبـج طلـب الطعـام فأطعـم ومنـع المـاء ثـم أدرج فـي بـج فمـات‏.‏ ولمـا وصـل المعتصم إلى نصيبين احتفر لعمر الفرغاني بئراً وطمت عليه ولما دخلوا بلاد الموصل قتل عجيف بمثل ما قتل به العبـاس واستلحـم جميـع القـواد في تلك الأيام وسموا العباس اللعين‏.‏ ولما وصل إلى سامرا جلس أولاد المأمون في داره حتى ماتوا‏.‏

  انتقاض مازيار وقتله

كان مازيار بن قارن بن وندا هرمز صاحب طبرستان وكان منافراً لعبد الله بن طاهر فلا يحمـل إليـه الخـراج وقال لا أحمله إلا للمعتصم فيبعث المعتصم من يقبضه من أصحابه ويدفعه إلى وكيل عبد الله بن طاهر يرده إلى خراسان وعظمت الفتنة بين مازيار وعبد الله وعظمت سعايـة عبـد اللـه فـي مازيـار عنـد المعتصـم حتـى استوحـش منـه‏.‏ ولما ظفر الأفشين ببابك وعظم محلـه عنـد المعتصـم وطمـع فـي ولاية خراسان ظن أن انتقاض مازيار وسيلة لذلك فجعل يستميل مازيار ويحرضه على عداوة ابن طاهر وإن أدت الخلاف ليبعثه المعتصم لحربـه فيكـون ذلـك وسيلة له إلى استيلائه على خراسان ظناً بأن ابن طاهر لا ينهض لمحاربته‏.‏ فانتقض مازيار وحمل الناس على بيعته كرهاً وأخذ رهائنهم وعجل جباية الخراج فاستكثر منه وخرب سور آمد وسور سابة وقتل أهلها إلى جبل يعـرف بهرمازايارونـي سرخاشـان سورطمس منها إلى البحر على ثلاثة أميال وهي على حد جرجان وكانت تبنيه سداً بين الترك وطبرستان وجعل عليه خندقاً ومن أهل جرجان إلى نيسابور وأنفذ عبد الله بن طاهر عمه الحسن بن الحسيـن فـي جيـش كثيـف لحفـظ جرجـان فعسكـر علـى الخنـدق ثـم بعـث مولـاه حيـان بن جبلة إلى قومس فعسكر على جبال شروين‏.‏ وبعث المعتصم من بغداد محمد بن إبراهيم بن مصعب وبعث منصور بن الحسن صاحب دنباوند إلى الري وبعث أبا الساج إلى دنباوند وأحاطت العساكر بحياله من كل ناحية وداخل أصحاب الحسن بن الحسين أصحاب سرخاشان في تسليم سورهم وليس بينهما إلا عرض الخنـدق فكلمـوه وسـار الآخـرون إليه على حين غفلة من القائدين وركب الحسن بن الحسين وقد ملك أصحابه السور ودخلوا منه فهرب سرخاشان وقبضوا على أخيه شهريار فقتل ثم قبض على سرخاشان على خمسة فراسخ من معسكره وجيء به إلى الحسن بن الحسين فقتله أيضًا‏.‏ ثـم وقعـت بيـن حيان بن جبلة وبين فارق بن شهريار وهو ابن أخي مازيار ومن قواده مداخلة استمالة حيان فأجاب أن يسلم مدينة سارية إلى حـد جرجـان علـى أن يملكـوه جبـال آبائـه وبعـث حيـان إلـى ابـن طاهـر فسجـل لقـارن بمـا سـأل وكـان قـارن فـي جملـة عبد الله بن قارن أخي مازيار ومن قواده فأحضر جميعهم لطعاهه وقبض عليهم وبعث بهم إلى حيان فدخل جبال قارن في جموعه واعتصم لذلك مازيار وأشار عليه أخوه القوهيار أن يخلي سبيل من عنده من أصحابه ينزلون من الجبل إلى مواطنهم لئـلا يؤتـى مـن قبلهـم فصـرف صاحـب شرطتـه وخراجه وكاتبه حميدة فلحقوا بالسهل ووثب أهل سارية بعامله عليهم مهرستان بن شهرين فهرب ودخل حيان سارية‏.‏ ثم بعث قوهيار أخو مازيار محمد بن موسى بن حفص عامل طبرستان وكانوا قد حبسوه عند انقاضهم فبعثه إلى حيان ليأخذ له الأمان وولاية جبال آبائه على أن يسلم إليه مازيار وعـزل قوهيـار بعـض أصحابـه فـي عدولـه بالاستئمـان عـن الحسـن إلـى حيـان فرجـع إليهـم وكتبوا إلى الحسن يستدعون قوهيار من أخيه مازيار فركب من معسكره بطمس وجاء لموعدهم ولقي حيان على فرسخ فرده إلى جبال شروين التي افتتحها ووبخه على غيبته عنها فرجع سارية وتوفـي وبعـث عبـد الله مكانه محمد بن الحسين بن مصعب وعهد إليه أن لا يمنع قارن ما يريده ولما وصل الحسن إلى خرماباذ وسط جبال مازيار لقيه قاهيار هنالك واستوثق كل منهما من صاحبه وكاتب محمد بن إبراهيم بن مصعب مـن قـواد المعتصـم قوهيـار بمثـل ذلـك فركـب قاصـداً إليـه‏.‏ وبلـغ الحسـن خبـره فركـب في العسكر وحازم يسابق محمد بن إبراهيم إلى قوهيار فسبقـه ولقـي قوهيـار وقد جاء بأخيه مازيار فقض عليه وبعثه مع اثنين من قواده إلى خرماباذ ومنها إلى مدينة سارية‏.‏ ثم ركب واستقبل محمد بن إبراهيم بن مصعب وقال‏:‏ أين تريد فقال إلى المازيار‏:‏ فقال هو بسارية‏.‏ ثم حبس الحسن أخوي المازيار ورجع إلى مدينة سارية فقيد المازيار بالقيد الذي قيـد بـه محمـد بـن محمـد بـن موسـى بـن حفـص‏.‏ وجاء كتاب عبد الله بن طاهر بأن يدفع المازيار وأخويـه وأهل بيته إلى محمد بن إبراهيم يحملهم إلى المعتصم‏.‏ وسأل الحسن المازيار عن أمواله فذكـر أنهـا عنـد قـوم مـن وجوه سارية سماهم وأمر الحسن القوهيار بحمل هذه الأموال وسار إلى الجبـل ليحملهـا فوثـب بـه مماليـك المازيـار من الديلم وكانوا ألفاً ومائتين فقتلوه بثأر أخيه وهربوا إلى الديلم فاعترضتهم جيوش محمد بن إبراهيم وأخذوهم فبعث بهم إلى مدينة سارية‏.‏ وقيل إن الذي غدر بالمازيار ابن عم له كان يتوارث جبال طبرستان والمازيار يتوارث سهلها وكانت جبال طبرستان ثلاثة أجبل فلما انتقض واحتاج إلى الرجال دعا ابن عمه من السهل وولاه على أصعبها وظن أنه قد توثق به فكاتب هو الحسن وأطلعه على مكاتبة الأفشين لمازيار وداخله في الفتك على أن يوليه ما كان لآبائه وأن المازيار لما ولـاه الحسـن بـن سهـل طبرستان انتزع الجبل من يده فأفضى له الحسن كتاب ابن طاهر وتوثق له فيه وأوعده ليوم معلوم ركب فيه الحسن إلى الجبل فأدخله ابن عم مازيار وحاصروه حتى نزل على حكمه ويقال أخذه أسيراً في الصيـد‏.‏ ومضـى الحسـن بـه ولـم يشعـر صاحـب الجبـل الآخـر وأقـام فـي قتالـه لمـن كان بإزائه فلم يشعر إلا والعساكر من ورائه فانهزم ومضى إلى بلاد الديلم فاتبعوه وقتلوه‏.‏ ولما صـار المازيـار في يده طلبت منه كتب فشين فأحضرها وأمر ابن طاهر أن يبعث بها معه إلى المعتصم فلما وصل إلى المعتصم ضربه حتى مات وصلبه إلى جانب بابك وذلك سنة أربع وعشرين‏.‏

  ولاية ابن السيد على الموصل

وفي سنة أربع وعشرين ولى المعتصم على الموصل عبد الله بن السيد بن أنس الأزدي وكان سبب ولايته أن رجلاً من مقدمي الأكراد يعرف بجعفر بن فهرجس كان قد عصى بأعمال الموصـل وتبعه خلق كثير من الأكراد وغيرهم وأفسدوا البلاد فبعث المعتصم لحربه عبد الله بن السيـد بـن أنـس فقاتله وغلبه على ماتعيس وأخرجه منها بعد أن كان استولى عليها ولحق بجبل دانس وامتنع بأعاليه وقاتله عبد الله وتوغل في مضايق ذلك الجبل فهزمه الأكراد وأثخنوا في أصحابـه بالقتـل وقتـل إسحـاق بـن أنـس عـم عبـد اللـه‏.‏ فبعـث المعتصـم مولاه إيتاخ في العساكر إلى الموصل سنة خمس وعشرين وقصد جبل داس فقاتـل جعفـراً وقتلـه وافتـرق أصحابـه وأوقـع بالأكراد واستباحهم وفروا أمامه إلى تكريت‏.‏

  نكبة الأفشين ومقتله

كان الأفشين من أهل أشروسنة تبوأها ونشأ ببغداد عند المعتصم وعظم محلـه عنـده ولمـا حاصـر بابـك كـان يبعـث إلـى أشروسنـة بجميـع أموالـه فيكتب ابن طاهر بذلك إلى المعتصم فيأمره المعتصـم بـأن يجعـل عيونـه عليـه فـي ذلـك‏.‏ وعثـر مـرةً ابـن طاهـر علـى تلـك الأموال فأخذها وصرفها فـي العطـاء وقـال لـه حاملوهـا‏:‏ هـذا مـال الأفشيـن فقـال كذبتـم لـو كـان ذلـك لأعلمنـي أخي أفشين به وإنمـا أنتـم لصـوص وكتـب إلـى الأفشيـن بذلـك بأنـه دفـع المـال إلـى الجنـد ليوجههـم إلـى التـرك فكتـب إليـه أفشين مالي ومال أمير المؤمنين واحد وسأله في إطلاق القوم فأطلقهم واستحكمت الوحشة بينهمـا وتتابعـت السعاية فيه من طاهر وربما فهم الأفشين أن المعتصم يعزله عن خراسان فطمع في ولايتها وكان مازيار يحسن له الخلافة ليدعو المعتصم ذلك إلى عزله وولاية الأفشين لحرب مازيار‏.‏ فكـان مـن أمر مازيار ما ذكرناه وسيق إلى بغداد مقيداً وولى المعتصم الأفشين على أذربيجان فولى عليها من قبله منكجور من بعض قرابته فاستولى على مال عظيم لبابك وكتـب بـه صاحـب البريـد إلـى المعتصـم فكذبـه منكجـور وهم بقتله فمنعه أهل أردبيل فقاتلهم‏.‏ وسمع ذلك المعتصـم فأمـر الأفشيـن بعـزل منكجـور وبعث قائداً في عسكره مكانه فخلع منكجور وخرج من أردبيل فهزمه القائد ولحق ببعض حصور أذربيجان كان بابك خربه فأصلحـه وتحصـن فيـه شهراً ثم وثب فيه أصحابه وأسلموه إلى القائد فقدم به إلى سامرا فحبسه المعتصم واتهم الأفشين في أمره وذلك سنة خمس وعشرين ومائتين بأن القائد كان بغا الكبير وأنه خرج إليه بالأمان اه‏.‏ ولما أحس الأفشين بتغير المعتصم أجمع أمره على الفرار واللحاق بأرمينية وكانت في ولايته ويخرج منها إلى بلاد الخزر ويرجع إلى بلاد أشروسنة وصعب عليه ذلك بمباشرة المعتصم أمره وعرض له في أثناء ذلك غضب على بعض مواليه وكان سيء الملكة فأيقن مولـاه بالهلكـة وجاء إلى إتياخ فأحضره إلى المعتصم وخبره الخبر فأمره بإحضاره وحبسه بالجوثق وكان ابنه الحسن عاملاً على بعض ما وراء النهر‏.‏ فكتب المعتصم إلى عبد الله بن طاهر في الاحتيال عليـه وكـان يشكـو مـن نـوح بـن أسـد صاحب بخارى‏.‏ فكتب ابن طاهر إلى الحسن بولاية بخارى وكتـب إلـى نـوح بذلـك وأن يستوثـق منـه إذا وصـل إليـه ويبعـث بـه ثـم يبعـث بـه إلـى ابـن طاهـر ثم إلى المعتصم‏.‏ ثم أمر المعتصم بإحضار الأفشين ومناظرته فيما قيل عنه فأحضر عند الوزير محمد بن عبد الملـك بـن الزيـات وعنـده القاضـي أحمد بن أبي دؤاد وإسحاق بن إبراهيم وجماعة القواد والأعيان وأحضر المازيار من محبسه والمؤيد والمرزبان بن تركش أحد ملوك الصغد ورجلان من أهل الصغد يدعيان أن الأفشين ضربهما وهما إمام ومؤذن بمسجد‏.‏ فكشفا عن ظهورهما وهما عاريان من اللحم فقال ابن الزيات للأفشين‏:‏ ما بال هذين قال عهدا إلى معاهدين فوثبا على بيت أصنامهم فكسراها واتخذا البيت مسجداً فعاقبتهما على ذلك‏.‏ وقال ابن الزيات‏:‏ ما بال الكتـاب المحلـى بالذهـب والجوهـر عندك وفيه الكفر قال كتاب ورثته من آبائي وأوصوني بما فيه من آدابهم فكنت آخذها منه وأترك كفرهم ولم أحتج إلى نزع حليته وما ظننت أن مثل هذا ثم قال المؤيد إنه يأكل لحم المنخنقة ويحملني على أكلها ويقول هو أرطب من لحم المذبوحة‏.‏ ولقـد قـال لـي يومـاً حملـت علـى كـل مكـروه لـي حتى أكلت الزيت وركبت الجمل ولبست النعل إلى هذه الغاية لم أختتـن ولـم تسقـط عنـي شعـرة العانـة‏.‏ فقـال الأفشيـن‏:‏ أثقـة هـذا عندكـم فـي دينـه وكـان مجوسياً قالوا‏:‏ لا قال فكيف تقبلونه علي‏.‏ ثم قال للمؤيد أنت ذكرت أني أسررت إليك ذلك فلست بثقة فـي دينـك ولا بكريـم فـي عهـدك ثـم قـال لـه المرزبـان‏:‏ كيـف يكاتبـك أهـل أشروسنـة قـال‏:‏ مـا أدري قـال‏:‏ أليـس يكاتبونـك بمـا تفسـره بالعربـي‏:‏ إلـى إلـه الآلهـة مـن عبـده فلان قال‏:‏ بلى فقال ابن الزيات‏:‏ فما أبقيت لفرعون قال‏:‏ هذه عادة منهم لأبي وجدي ولي قبل الإسلام ولو منعتهم فسدت علي طاعتهم‏.‏ ثـم قـال لـه أنـت كاتبـت هـذا وأشـار إلـى المازيـار‏.‏ كتب أخوه إلى أخي قوهيار أنه لن ينصر هذا الدين غيري وغيرك وغير بابك فأما بابك قد قتل نفسه بجمعه ولقد عهدت أن أمنعه فأبى إلا خنقه وأنت إن خالفت لم يرمك القوم بغيري ومعي أهل النجدة وإن توجهت إليك لم يبق أحد يحاربنا إلا العرب والمغاربة والترك والعربـي كلـب تناولـه لقمـة وتضـرب رأسـه والمغاربـة أكلـة رأس والأتـراك لهم صدمة ثم تجول الخيل جولة فتأتي عليهم ويعود هذا الدين إلى ما كان عليه أيام العجم‏.‏ فقـال الأفشيـن هـذا يدعـي أن أخـي كتـب إلـى أخيـه فمـا يجـب علـي ولـو كتـب فأنا أستميله مكراً به لأحظى عند الخليفة كما حظي به ابن طاهر فزجره ابن أبي دؤاد فقال له الأفشين‏:‏ ترفع طيلسانك فلا تضعه حتى تقتل جماعة فقال‏:‏ أمتطهر أنت قال لا قال فما يمنعك وهو شعار الإسلام قال خشيت على نفسي من قطعة قال فكيف وأنت تلقى الرماح والسيوف قال تلك ضرورة أصبر عليها وهذا أستجلبه‏.‏ فقال ابن أبي دؤاد لبغا الكبير‏:‏ قد بان لكم أمره يا بغا عليك به فدفعه بيديه ورده إلى محبسه وضرب مازيار أربعمائة سوط فمات منهـا وطلـب أفشيـن مـن المعتصـم أن ينفـذ إليـه مـن يثق به فبعث حمدون بن إسماعيل فاعتذر له عن جميع ما قيـل فيـه وحمـل إلـى دار إيتـاخ فقتـل بهـا وصلـب علـى بـاب العامـة ثـم أحرق‏.‏ وذلك في شعبان من سنة ست وعشرين وقيل قطع عنه الطعام والشراب حتى مات‏.‏

  ظهور المبرقع

كان هذا المبرقع يعرف بأبي حرب اليماني وكان بفلسطين وأراد بعض الجند النزول في داره فمنعه بعض النساء فضربها الجندي وجاءت فشكت إليه بفعل الجندي فسار إليه وقتله ثم هرب إلى جبال الأردن فأقام بها واختفى يبرقع على وجهه‏.‏ وصار يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويعيب الخليفة ويزعم أنه أموي واجتمع له قوم من تلك الناحية وقالوا هو السفياني‏.‏ ثم أجابه جماعة من رؤساء اليمانية منهم ابن بهيس وكان مطاعاً في قومه وغيره فاجتمع له مائة ألـف وسـرح المعتصـم رجـاء بن أيوب في ألف من الجند فخام عن لقائه لكثرة من معه وعسكر قبالته ينتظر أوان الزراعـة وانصـراف النـاس عنـه لأعمالهـم‏.‏ وبينمـا هـم فـي الانصـراف توفـي المعتصـم وثارت الفتنة بدمشق فأمره الواثق بقتل من أثار الفتنة والعود إلى المبرقع ففعل وقاتله فأخذه أسيراً وابن بهيس معه وقتل من أصحابه عشرين ألفاً وحمله وذلك سنة سبع وعشرن ومائتين‏.‏

  وفاة المعتصم وبيعة الواثق

وتوفـي المعتصـم أبـو إسحـاق محمـد بـن المأمـون بـن الرشيـد منتصف ربيع الأول سنة سبع وعشرين لثمـان سنيـن وثمانيـة أشهـر مـن خلافتـه وبويـع ابنـه هارون الواثق صبيحته وتكنى أبا جعفر‏.‏ فثار أهل دمشق بأميرهم وحاصروه وعسكروا بمرج واسط وكان رجاء بن أيوب بالرملة في قتال المبرقع فرجع إليهم بأمر الواثق فقاتلهم وهزمهم وأثخن فيهم وقتل منهم نحو من ألف وخمسمائة ومـن أصحابـه نحـو ثلاثمائة وصلح أمر دمشق ورجع رجاء إلى قتال المبرقع حتى جاء به أسيراً بيعـة الواثـق توجه أشناس ووشحه وكان للواثق سمر يجلسون عنده ويفيضون في الأخبار حتى أخبروه عن شأن البرامكة واستبدادهم على الرشيد واحتجابهم الأموال فأغراه ذلك بمصادرة الكتاب فحبسهم وألزمهم الأموال‏.‏ فأخـذ مـن أحمـد بـن إسرائيل ثمانين ألف دينار بعد أن ضربه ومن سليمان بن وهب كاتب إيتاخ أربعمائة ألف ومن الحسن بن وهب أربعة عشر ألفاً ومن إبراهيم بن رباح وكاتبه مائة ألف ومن أبي الوزر مائة وأربعين ألفاً وكان على اليمن إيتاخ وولاه عليها المعتصم بعدما عزل جعفر وسخطه وحبسه ثم رضي عنه وأطلقه فلما ولي الواثق ولى إيتاخ على اليمن من قبله سار بأميـان فسـار إليهـا وكـان الحـرس إسحـاق بـن يحيـى بـن معـاذ ولـاه المعتصـم بعـد عـزل الأفشين‏.‏ وولى الواثق على المدينة سنة إحدى وعشرين محمد بن صالح بن العباس وبقي محمد بن داود على مكـة وتوفـي عبـد اللـه بـن طاهـر سنـة ثلاثين وكان على خراسان وكرمان وطبرستان والري وكان له الحرب والشرطة والسواد فولى الواثق على أعماله كلها ابنه طاهراً‏.‏

  وقعة بغا في الأعراب

كان بنو سليم يفسدون بنواحي المدينة ويتسلطون على الناس في أموالهم وأوقعوا بناس من كنانة وباهلة وبعث محمد بن صالح إليهم مسلحة المدينة ومعهم متطوعة من قريش والأنصار فهزمهم بنو سليم وقتلوا عامتهم وأحرقوا لباسهم وسلاحهم وكراعهم ونهبوا القرى ما بين مكة والمدينة وانقطع الطريق فبعث الواثق بغا الكبير وقدم المدينة في شعبان فقاتلهم وهزمهم وقتل منهم خمسين رجلاً وأسر مثلها واستأمنوا له على حكم الواثق فقبض على ألف منهم ممن يعـرف بالفسـاد فحبسهـم بالمدينـة وذلـك سنـة ثلاثيـن‏.‏ ثم حج وسار إلى ذات عرق وعرض على بني هلال مثل بني سليم فأخذ من المفسدين منهم نحو ثلثمائة رجل وحبسهم بالمدينة وأطلق الباقين‏.‏ ثـم خـرج بغـا إلـى بنـي مـرة فنقـب أولئـك الأسـرى الحبس وقتلوا الموكلين فاجتمع عليهم أهل المدينة ليـلاً ومنعوهـم مـن الخـروج فقاتلوهـم إلـى الصبـح ثـم قتلوهـم وشـق ذلـك علـى بغـا وكان سبب غيبته أن فـزارة وبنـي مـرة تغلبـوا علـى فـدك فخـرج إليهـم وقـدم رجـلاً مـن قـواده يعـرض عليهم الأمان فهربوا مـن سطوتـه إلـى الشـام واتبعهـم إلـى تخوم الحجاز من الشام وأقام أربعين ليلة ثم رجع إلى المدينة بمن ظفر منهم‏.‏ وجـاءه قـوم مـن بطون غفار وفزارة وأشجع وثعلبة فاستخلفهم على الطاعة‏.‏ ثم سار إلى بني كلاب فأتوه في ثلاثة آلاف رجل فحبس أهل الفساد منهم ألفاً بالمدينة وأطلق الباقين وأمره الواثـق سنـة اثنتيـن وثلاثيـن بالمسيـر إلـى بنـي نميـر باليمامـة ومـا قـرب منهـا لقطـع فسادهـم فسار إليهم ولقـي جماعـة الشريـف منهـم فحاربهـم وقتـل منهـم خمسين وأسر أربعين‏.‏ ثم سار إلى مرة وبعث إليهـم فـي الطاعـة فامتنعـوا وسـاروا إلـى جبـال السنـد وطـف اليمامـة وبعـث سراياهـم فأوقع بهم في كل ناحية‏.‏ ثم سار إليهم في ألف رجل فلقيهم قريباً من أضاخ فكشفوا مقدمته وميسرته وأثخنوا في عسكره بالقتل والنهب‏.‏ ثم ساروا تحت الليل وهو في أتباعهم يدعوهم إلى الطاعة وبعث طائفة من جنده يدعون بعضهم وأصبح وهو في قلة فحملوا عليه وهزموه إلى معسكره وإذا بالطائفة الذين بعثهم قد جـاؤوا من وجهتهم فلما رآهم بنو نمير من خلفهم ولوا منهزمين وأسلموا رجالهم وأموالهم ونجوا على خيلهم ولم يفلت من رجالتهم أحد وقتل منهم نحو ألف وخمسمائة وأقام بمكان الوقعة واستأمن له أمراؤهم فقيدهم وحبسهم بالبصرة‏.‏ وقدم عليهم واجن الأشروسني في سبعمائة مقاتـل مـدداً فبعثـه إلـى أتباعهـم إلـى أن بلغ تبالة من أعمال اليمن ورجع وسار بغا إلى بغداد بمن معـه منهـم وكانـوا نحـو ألفـي رجـل ومائتي رجل وكتب إلى صالح أمير المدينة أن يوافيه ببغداد من عنده منهم فجاء بهم وسلموا جميعاً‏.‏

  مقتل أحمد بن نصر

وهو أحمد بن مالك وهو أحد النقباء كما تقدم وكان أحمد هذا نسيبة لأهل الحديث ويغشاه جماعـة منهـم مثـل ابـن حصيـن وابـن الدورقـي وأبـي زهير ولقن منهم النكير على الواثق بقوله بخلق القـرآن‏.‏ ثـم تعـدى ذلـك إلـى الشتـم وكـان ينعته بالخنزير والكافر وفشا ذلك عنه‏.‏ وانتدب رجلان ممن كان يغشاه‏:‏ هما أبو هارون السراج وطالب وغيرهما فدعوا الناس له وبايعه خلق على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفرقوا الأموال في الناس ديناراً لكل رجل وأنفذوا لثلاث تمضي من شعبان من سنة إحدى وثلاثين يظهرون فيها دعوتهم‏.‏ واتفق أن رجالاً ممن بايعهم من بني الأشرس جاؤوا قبل الموعد بليلة وقد نال منهم السكر فضربوا الطبل وصاحب الشرطة إسحاق بن إبراهيم غائب فارتاع خليفته محمد أخوه فأرسل من يسأل عن ذلك فلم يوجد أحد وأتوه برجل أعور اسمه عيسى وجدوه في الحمام فدلهم علـى بنـي الأشـرس وعلـى أحمـد بـن نصـر وعلـى أبـي هـارون وطالـب ثـم سيـق خـادم أحمد بن نصر فذكر القصة فقبض عليه وبعث بهم جميعاً إلى الواثق بسامرا مقيدين وجلس لهم مجلساً عاماً وحضر فيه أحمد بن أبي دؤاد ولم يسأله الواثق عن خروجه وإنما سأله عن خلق القرآن فقال‏:‏ هو كلام الله‏.‏ ثم سأله عن الرؤية فقال‏:‏ جاءت بها الأخبار الصحيحة ونصيحتي أن لا يخالف حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم سأل الواثق العلماء حوله عن أمره فقال عبد الرحمـن بـن إسحـاق قاضـي الجانـب الغربي‏:‏ هو حلال الدم وقال ابن أبي دؤاد‏:‏ هو كافر يستتاب فدعـا الواثـق بالصمصامـة فانتضاهـا ومشـى إليـه فضربـه على حبل عاتقه ثم على رأسه ثم وخزه في بطنه ثم أجهز سيما الدمشقي عليه وحزوا رأسه ونصب ببغداد وصلب شلوه عند بابها‏.‏

  الفداء والصائفة

وفي سنة إحـدى وثلاثيـن عقـد الواثـق لأحمـد بـن سعيـد بـن مسلـم بـن قتيبة على الثغور والعواصم وأمره بحضور الفداء هو وجانمان الخادم وأمرهما أن تمتحن الأسرى باعتقاد القـرآن والرؤيـة‏.‏ وجاء الروم بأسراهم والمسلمون كذلك والتقوا على نهر اللامس على مرحلة من طرطوس وكان عدة أسرى المسلمين أربعة آلاف وأربعة وستين والنساء والصبيان ثمانمائة وأهل الذمة مائة‏.‏ فلمـا فرغـوا مـن الفـداء غـزا أحمـد بـن سعيـد بـن مسلـم شاتيـاً وأصـاب النـاس ثلج ومطر وهلك منهم مائة نفس وأسر منهم نحوها وخرق بالنبل قرون خلق ولقيه بطريق من الروم فخام عن لقائه ثم غنم ورجع فعزله الواثق وولى مكانه نصر بن حمزة الخزاعي‏.‏

  وفاة الواثق وبيعة المتوكل

وتوفـي الواثـق أبـو جعفـر هـارون بـن المعتصـم محمـد لسـت بقيـن مـن سنـة اثنتيـن وثلاثين وكانت علته الاستسقـاء وأدخـل فـي تنـور مسجـر فلقـي خفـة ثـم عـاوده فـي اليـوم الثانـي أكثـر مـن الـأول فأخـرج فـي محفـة فمـات فيهـا ولـم يشعـروا بـه‏.‏ وقيـل إن ابـن أبـي دؤاد غمضـه ومات لخمس سنين وتسعة أشهر من خلافته‏.‏ وحضر في الدار أحمد بن أبي دؤاد وإيتاخ ووصيف وعمر بن فرح وابن الزيات وأراد البيعـة لمحمد بن واثق وهو غلام إمر فألبسوه فإذا هو قصير فقال وصيف‏:‏ أما تتقون الله تولون الخلافة مثل هذا ثم تناظروا فيمن يولونه وأحضروا المتوكل فألبسه ابن أبي دؤاد الطويلة وعممه وسلم عليه بإمارة المؤمنين ولقبه المتوكل وصلى على الواثق ودفنه‏.‏ ثم وضع العطاء للجنـد لثمانيـة أشهـر وولـى علـى بلـاد فـارس إبراهيـم بـن محمـد بن مصعب وكان على الموصل غانم بـن محمـد الطويـس فأقـره وعـزل ابن العباس محمد بن صول عن ديوان النفقات وعقد لابنه المنتصر على الحرمين واليمن والطائف‏.‏

  نكبة الوزير ابن الزيات ومهلكه

كـان محمـد بـن عبد الملك بن الزيات قد استوزره الواثق فاستمكن من دولته وغلب على هؤلاء وكان لا يحفل بالمتوكل ولا يوجب حقه وغضب الواثق عليه مرة فجاء إلى ابن الزيات ليستنزله فأساء معاملته في التحية والملاقاة فقال‏:‏ اذهب فإنك إذا صلحت رضي عنك‏.‏ وقام عنه حزيناً فجاء إلى القاضي أحمد بن دؤاد فلم يدع شيئاً من البر إلا فعله وحياه وفداه وخطب حاجتـه فقـال‏:‏ أحب أن ترضي عني أمير المؤمنين فقال‏:‏ أفعل ونعمة عين ولم يزل بالواثق حتى رضي عنه‏.‏ وكان ابن الزيات كتب إلى الواثق عندما خرج عنه المتوكل أن جعفر أتاني فسأل الرضا عنه وله وفرة شبه زي المخنثين فأمره الواثق أن يحضره من شعر قفاه فاستحضره فجاء يظن الرضا عنه وأمر حجاماً أخذ من شعره وضرب به وجهه فحقد له ذلك وأساء له‏.‏ ولمـا ولـي الخلافة بقي شهراً ثم أمر إيتاخ أن يقبض عليه ويقيده بداره ويصادره وذلك في صفر سنة ثلاث وثلاثين فصادره واستصفى أمواله وأملاكه وسلط عليه أنواع العذاب ثم جعله في تنور خشب في داخله مسامير تمنع من الحركة وتزعج من فيه لضيقه ثم مات منتصف ربيع الأول وقيل‏:‏ إنه مات من الضرب وكان لا يزيد على التشهد وذكر الله‏.‏ وكان عمر بن الفرج الرخجي يعامل المتوكل بمثل ذلك فحقد له ولما استخلف قبض عليه في رمضان واستصفى أمواله ثم صودر على أحد عشر ألف ألف‏.‏

  نكبة إيتاخ ومقتله

كان إيتاخ مولى السلام الأبرص وكان عنده ناخورياً طباخاً وكان شجاعاً فاشتراه المعتصم منه سنة تسع وتسعين وارتفع في دولته ودولة الواثق ابنه وكان له المؤنة بسامرا مع إسحاق بن إبراهيم بن مصعب وكانت نكبة العظماء في الدولة علـى يديـه وحبسهـم بـداره مثـل أولـاد المأمون وابن الزيات وصالح وعجيف وعمر بن الفـرج وابـن الجنيـد وأمثالهـم وكـان لـه البريـد والحجابة والجيش والمغاربة والأتراك‏.‏ وشرب ذات ليلة مع المتوكل فعربد على إيتاخ وهم إيتاخ بقتلـه ثـم غـدا عليـه فاعتـذر لـه ودس عليه من زين له الحج فاستأذن المتوكل فأذن له وخلع عليه وجعله أمير كل بلد يمر به‏.‏ وسـار لذلـك فـي ذي القعـدة سنـة أربـع وثلاثين أو ثلاث وثلاثين وسار العسكر بين يديه وجعلت الحجابة إلى وصيف الخادم ولما عاد إيتاخ من الحج بعث إليه المتوكل بالهدايا والألطاف وكتب إلى إسحاق بن إبراهيم بن مصعب يأمره بحبسه‏.‏ فلما قارب بغداد كتب إليه إسحاق بأن المتوكل أمر أن يدخل بغداد وأن تلقاه بنو هاشم ووجوه الناس وأن يقعد بدار خزيمة بن خازم فيأمر للناس بالجوائز على قدر طبقاتهم ففعل ذلك ووقف إسحاق على بـاب الـدار فمنـع أصحابـه مـن الدخـول إليه ووكل بالأبواب ثم قبض على ولديه منصور مظفر وكاتبيه سليمان بن وهـب وقدامـة بن زياد وبعث إيتاخ إليه يسأله الرفق بالولدين ففعل ولم يزل إيتاخ مقيداً بالسجن إلى أن مات فقيل‏:‏ إنهم منعوه الماء وبقي ابناه محبوسين إلى أن أطلقهما المنتصر بعد المتوكل‏.‏ كان محمد بن البغيث بن الحليس ممتنعاً في حصونه بأذربيجان وأعظمها مرند واستنزل من حصنـه أيـام المتوكـل وحبـس بسامـرا فهـرب مـن حبسـه ولحـق بمرنـد وقيـل‏:‏ إنـه في حبس إسحاق بن إبراهيـم بـن مصعـب وشفـع فيـه بغـا الشرابـي فأطلقـه إسحـاق فـي كفالة محمد بن خالد بن يزيد بن مزيد الشيباني وكان يتردد إلى سامرا حتى مرض المتوكل ففر ولحق بمرند وشحنها بالأقوات وجـاءه أهـل الفتنـة مـن ربيعـة وغيرهـم فاجتمـع لـه نحو ألفين ومائتي رجل والوالي بأذربيجان يومئذ محمد بن حاتم بن هرثمة فلم يقامعه فعزله المتوكل وولى حمدويه بن علي بن الفضل السعدي فسار إليه وحاصره بمرند مدة وبعث إليه المتوكل بالمدد وطال الحصار فلم يقن فيه فبعث بغا الشرابي في ألفي فارس فجاء لحصاره‏.‏ وبعث إليه عيسى بن الشيخ بن السلسل بالأمان له ولوجوه أصحابه أن ينزلوا على حكم المتوكل فنزل الكثير منهم وانفض جمعه ولحق ببغا وخرج هو هارباً ونهبت منازله وأسرت نساؤه وبناته‏.‏ ثم أدرك بطريقه وأتي به أسيراً وبأخويه صقر وخالـد وأبنائـه حليـس وصقـر والبغيث وجاء بهم بغا إلى بغداد وحملهم على الحجال يوم قدومه حتـى رآهـم النـاس وحبسـوا‏.‏ ومـات البغيـث لشهـر مـن وصولـه سنة خمس وثلاثين وجعل بنوه في الشاكرية مع عبد الله بن يحيى خاقان‏.‏

  وفي سنة خمـس وثلاثيـن ومائتيـن

عقـد المتوكل البيعة والعهد وكانوا ثلاثة محمداً وطلحة وإبراهيم ويقـال فـي طلحـة ابـن الزبيـر وجعـل محمداً أولهم ولقبه المستنصر وأقطعه أفريقية والمغرب وقنسرين والثغور الشامية والخزرية وديـار مضـر وديـار ربيعـة وهيـت والموصـل وغانـة والخابـور وكـور دجلة والسواد والخرمين وحضرموت والحرمين والسند ومكران وقندابيل وكور الأهواز والمستغلات بسامرا وماء الكوفة وماء البصرة‏.‏ وجعـل طلحة ثانيهم ولقبه المعتز وأقطعه أعمال خراسان وطبرستان والري وأرمينية وأذربيجان وأعمـال فـارس‏.‏ ثـم أضـاف إليـه سنـة أربعيـن خـزن الأمـوال ودور الضـرب في جميع الآفاق وأمر أن يرسم اسمه في السكة‏.‏ وجعـل الثالـث إبراهيـم وأقطعـه حمـص ودمشـق وفلسطيـن وسائـر الأعمـال الشاميـة‏.‏ وفي هذه السنة أمـر الجنـد بتغييـر الـزي فلبسـوا الطيالسـة العسليـة وشدوا الزنانير في أوساطهم وجعلوا الطراز في لباس المماليك ومنع من لباس المناطق وأمر بهدم البيع المحدثة لأهل الذمة ونهـى أن يستغـاث بهـم فـي الأعمـال وأن يظهروا في شعابهم الصلبان وأمر أن يجعل على أبوابهم صور شياطين من الخشب‏.‏

  ذكر محمد بن إبراهيم

كـان محمـد بن إبراهيم بن الحسن بن مصعب على بلاد فارس وهو ابن أخي طاهر وكان أخوه إسحاق بن إبراهيم صاحب الشرطة ببغداد منذ أيام المأمون والمعتصم والواثق والمتوكل وكان ابنه محمد بباب الخليفة بسامرا نائباً عنه‏.‏ فلما مات إسحاق سنة خمس وثلاثين ولاه المتوكل وضـم إليـه أعمال أبيه واستخلفه المعتز على اليمامة والبحرين ومكة وحمل إلى المتوكل وبنيه من الجواهـر والذخائـر كثيـراً وبلغ ذلك محمد بن إبراهيم فتنكر للخليفة ولمحمد ابن أخيه وشكا ذلك محمد إلى المتوكل فسرحه إلى فارس وولاه مكان عمه محمد فسار وعزل عمه محمداً وولى مكانه ابن عمه الحسين بن إسماعيل بن مصعب وأمره بقتل عمه محمد فأطعمه ومنعه الشراب فمات‏.‏

  انتقاض أهل أرمينية

كان على أرمينية يوسف بن محمد فجاءه البطريق بقراط بن أسواط وهو بطريق البطارقة يستأمن فقبض عليه وعلى ابنه وبعث بهما إلى المتوكل فاجتمع بطارقة أرمينية مع ابن أخيه وصهره موسى بن زرارة وتحالفوا على قتله وحاصروه بمدينة طرون في رمضان سنة سبع وثلاثيـن وخـرج لقتالهـم فقتلـوه ومـن كـان معـه‏.‏ فسـرح المتوكل بغا الكبير فسار إلى الموصل والجزيرة وأناخ على أردن حتى أخذها وحمل موسى وأخوته إلى المتوكل وقتل منهم ثلاثين ألفاً وسبى خلقاً وسار إلى مدينة دبيل فأقام بها شهراً ثم سار إلى تفليس فحاصرها وبعث في مقدمته بزرك التركي وكان بتفليس إسحاق بـن إسماعيل بن إسحاق مولى بني أمية فخرج وقاتلهم وكانت المدينة كلها مشيدة مـن خشـب الصنوبـر فأمـر بغـا أن يرمـي عليهـا بالنفـط فاضطرمـت النـار فـي الخشـب واحترقـت قصور إسحاق وجواريه وخمسون ألف إنسـان وأسـر الباقـون وأحاطـت الأتـراك والمغاربـة بإسحـاق فأسروه وقتله بغا لوقته ونجا أهل إسحاق بأمواله إلى صعدنيل مدينة حذاء تفليس على نهر الكرمن من شرقيه بناها أنوشروان وحصنها إسحاق وجعل أمواله فيهـا فاستباحهـا بغـا ثـم بعث الجند إلى قلعـة أخـرى بيـن بردعـة وتفليـس ففتحوهـا وأسـروا بطريقهـا‏.‏ ثـم سـار إلـى عيسـى بـن يوسف في قلعة كيس من كور البيلقان ففتحها وأسره وحمل معه جماعة من البطارقة وذلك سنة ثمان وثلاثين ومائتين‏.‏

  عزل ابن أبي دؤاد وولاية ابن أكثم

وفي سنة سبع وثلاثين غضب المتوكل على أحمد بن أبي دؤاد وقبض ضياعه وحبس أولاده فحمـل أبـو الوليـد منهـم مائـة وعشريـن ألف دينار وجواهر تساوي عشرين ألفاً ثم صولح عن ستة عشر ألف آلف درهم وأشهد عليهم ببيع أملاكهم وفلح أحمد فأحضر المتوكل يحيى بن أكثم وولـاه قضـاء القضـاة وولـى أبـا الوليـد بـن أبـي دؤاد المظالـم ثـم عزلـه‏.‏ وولـى أبـا الربيـع محمد بن يعقوب ثـم عزلـه وولى يحيى بن أكثم على المظالم ثم عزله سنة أربعين وصادره على خمسة وسبعين ألف دينار وأربعة آلاف حربو وولى مكانه جعفر بن عبد الواحد بن جعفر بن سليمان بن علـي‏.‏ وتوفـي فـي هـذه السنـة أحمـد بن أبي دؤاد بعد ابنه أبي الوليد بعشرين يوماً وكان معتزلياً أخذ مذهبهم عن بشر المريسي وأخذه بشر عن جهم بن صفوان وأخذه جهم عن الجعد بن دهم معلم مروان‏.‏

  انتقاض أهل حمص

وفي سنة سبـع وثلاثيـن وثـب أهـل حمـص بعاملهـم أبـي المغيـث موسـى بـن إبراهيـم الرافقـي بسبـب أنـه قتـل بعـض رؤسائهم فأخرجوه وقتلوا من أصحابه فولى مكانه محمد بن عبدويه الأنباري فأساء إليهـم وعسـف فيهـم فوثبـوا بـه وأمره المتوكل بجند من دمشق والرملة فظفر بهم وقتل منهم جماعة وأخرج النصارى منها وهدم كنائسهم وأدخل منها بيعة في الجامع كانت تجاوره‏.‏ كانـت الهدنـة بين أهل مصر والبجاة من لدن الفتح وكان في بلادهم معادن الذهب يؤدون منها الخمس إلى أهل مصر فامتنعوا أيام المتوكل وقتلوا من وجدوه مـن المسلميـن بالمعـادن وكتـب صاحـب البريـد بذلـك إلـى المتوكـل فشـاور النـاس فـي غزوهـم فأخبروه أنهم أهل إبل وشاء وأن بين بلادهـم وبلـاد المسلميـن مسيـرة شهـر ولا بـد فيهـا مـن الـزاد وإن فنيـت الأزواد هلك العسكر فأمسك عنهـم‏.‏ وخـاف أهـل الصغـد مـن شرهـم فولـى المتوكـل محمـد بـن عبد الله القمي على أسوان وقفط والأقصر وأسنا وأرمنت وأمره بحرب البجاة‏.‏ وكتـب إلـى عنبسـة بـن إسحـاق الضبـي عامـل مصـر بتجهيـز العساكـر معه وأزاحه عليهم فسار في عشرين ألفاً من الجند والمتطوعة وحملت المراكب من القلزم بالدقيق والتمر والأدم إلى سواحل بلاد البجاة وانتهى إلى حصونهم وقلاعهم‏.‏ وزحف إليه ملكهم اسمه علي بابا في إضعاف عساكرهم على المهارى وطاولهم علي بابا رجاء أن تفنى أزوادهم فجاءت المراكب وفرقها القمـي فـي أصحابـه فناجزهـم البجـاة الحرب وكانت إبلهم نفورة فأمر القمي جنده باتخاذ الأجراس بخيلهم‏.‏ ثم حملوا عليهم فانهزموا أثخن فيهم قتلاً وأسراً حتى استأمنوا على أداء الخراج لما سلف ولما يأتي وأن يرد إلى مملكته وسار مع القمي إلى المتوكل واستخلف ابنه فخلع القمي عليـه وعلـى أصحابـه وكسـا أرجلهـم الجلـال المديحـة وولاهم طريق ما بين مصر ومكة وولى عليهم الصوائف

  وفي سنة ثمـان وثلاثيـن

ورد علـى دميـاط أسطـول الـروم فـي مائـة مركـب فكبسوها وكانت المسلحة الذين بها قد ذهبوا إلى مصر باستدعاء صاحب المعونة عنبسة بن إسحاق الضبي فانتهزوا الفرصـة فـي مغيبهـم وانتهبـوا دمياط وأحرقوا الجامع بها وأوقروا سفنهم سبياً ومتاعاً وذهبوا إلى تنيس ففعلوا فيها مثل ذلك وأقطعوا‏.‏ وغزا بالصائفة في هذه السنة علي بن يحيى الأرميني صاحب الصوائف

  وفي سنة إحدى وأربعين

كان الفداء بين الروم وبين المسلمين وكان ندورة ملكـة الـروم قـد حملـت أسـرى المسلميـن علـى التنصر فتنصر الكبير منهم‏.‏ ثم طلبت المفاداة فيمن بقي فبعث المتوكل سيفًا الخادم بالفداء ومعه قاضي بغداد جعفر بن عبد الواحد واستخلف علـى القضـاء ابـن أبـي الشوارب وكان الفداء على نهر اللامس‏.‏ ثم أغارت الروم بعد ذلك على روبة فأسروا من كان هنالك من الزط وسبوا نساءهم وأولادهم‏.‏ ولما رجع علي بن يحيى الأرمينـي مـن الصائفـة خرجـت الـروم فـي ناحيـة سمسيـاط فانتهـوا إلى آمد واكتسحوا نواحي الثغور والخزريـة نهبـاً وأسـروا نحـواً مـن عشـرة آلاف ورجعوا وأتبعهم فرشاش وعمر بن عبد الأقطع وقوم من المتطوعة فلم يدركوهم وأمر المتوكل علي بن يحيى أن يدخل بالثانية في تلك السنة ففعل‏.‏

  وفي سنة أربـع وأربعيـن

جـاء المتوكـل مـن بغـداد إلـى دمشـق وقد اجتمع نزولها ونقل الكرسي إليها فأقام بها شهرين ثم استوبأها ورجع بعد أن بعث بغا الكبير في العساكر للصائفة فدخل بلاد الـروم فدوخهـا واكتسحهـا من سائر النواحي ورجع

  وفي سنة خمس وأربعين

أغارت الروم على سميساط فغنموا وغزا علي بن يحيى الأرميني بالصائفة كركرة وانتقض أهلها على بطريقهـم فقبضـوا عليـه وسلمـوه إلـى بعـض موالـي المتوكـل فأطلـق ملـك الروم في فداء البطريق ألف أسير من المسلميـن‏.‏

  وفي سنة سـت وأربعيـن

غـزا عمـر بن عبد الله الأقطع بالصائفة فجاؤوا بأربعة آلاف رأس وغزا قرقاش فجاء بخمسة آلاف رأس وغزا الفضل بن قاران في الأسطول بعشرين مركباً فافتتـح حصن أنطاكية وغزا ملكها دورهم وسبا وغزا علي بن يحيى فجاء بخمسة آلاف رأس ومن الظهر بعشرة آلاف وكان على يده في تلك السنة الفداء في ألفين وثلثمائة من الأسرى‏.‏ الولايات في النواحي ولـى المتوكـل سنـة اثنتيـن على بلاد فارس محمد بن إبراهيم بن مصعب وكان على الموصل غانم بـن حميـد الطوسـي واستـوزر لـأول خلافتـه محمـد بـن عبـد اللـه بـن الزيـات‏.‏ وولى على ديوان الخراج يحيى بن خاقان الخراساني مولى الأزدي وعزل الفضل بن مروان‏.‏ وولى على ديوان النفقات إبراهيم بـن محمـد بـن حتـول‏.‏ وولـى سنـة ثلـاث وثلاثيـن علـى الحرميـن واليمـن والطائـف ابنـه المستنصـر وعـزل محمـد بـن عيسـى‏.‏ وولى على حجابة بابه وصيفاً الخادم عندما سار إيتاخ للحج‏.‏

  وفي سنة خمس وثلاثين

عهـد لأولـاده كمـا مـر وولـى علـى الشرطـة ببغـداد إسحـاق بـن إبراهيـم بـن الحسيـن بـن مصعـب مكـان ابنـه إبراهيـم عندمـا توفـي وكانـت وفاتـه ووفـاة الحسـن بـن سهـل فـي سنـة واحـدة‏.‏

  وفي سنة سـت وثلاثيـن

استكتـب عبيـد اللـه بـن يحيـى بـن خاقـان ثـم استـوزره بعـد ذلـك وولـى علـى أرمينية وأذربيجان حرباً وخراجاً يوسف بن أبي سعيد محمد بن يوسف المروروذي عندما توفي أبوه فجاءه فسار إليها وضبطها وأساء إلى البطارقة بالناحية فوثبوا به كما مر وقتلوه‏.‏ وبعـث المتوكـل بغـا الكبيـر فـي العساكـر فأخـذ ثـأره منهـم وولى معادن السواد عبد الله بن إسحاق بن إبراهيـم‏.‏

  وفي سنة تسـع وثلاثيـن

عـزل ابـن أبـي دؤاد عـن القضـاء وصـادره وولـى مكانـه يحيـى بـن أكثم‏.‏ وقدم محمد بن عبد الله بن طاهر من خراسان فولاه الشرطة والجزية وأعمال السواد وكان على مكة علي بن عيسى بن جعفر بن المنصور فحج بالناس ثم ولى مكانه في السنة القابلة عبد الله بن محمد بن داود بن عيسى بن موسى‏.‏ وولى على الأحداث بطريق مكة والمواسـم جعفـر بـن دينـار وكـان على حمص أبو المغيب موسى بن إبراهيم الرافقي وثبوا به سنة تسع وثلاثين فولى مكانه محمد بن عبدويه‏.‏

  وفي سنة تسع وثلاثين

عزل يحيى بن أكثم عن القضـاء وولـى مكانـه جعفـر بـن عبـد الواحـد بـن جعفـر بـن سليمـان‏.‏

  وفي سنة اثنتين وأربعين

ولى علـى مكـة عبـد الصمـد بـن موسـى بـن محمـد بـن إبراهيـم الإمـام وولـى علـى ديوان النفقات الحسن بن مخلد بن الجراح عندما توفي إبراهيم بن العباس الصولي وكان خليفته فيها من قبل‏.‏

  وفي سنة خمس وأربعين

اختط المتوكل مدينته وأنزلها القواد والأولياء وأنفق عليها ألف ألف دينـار وبنـى فيهـا قصـر اللؤلـؤة لـم يـر مثلـه فـي علـوه وأجرى له الماء في نهر احتفره وسماها المتوكلية وتسمـى الجعفـري والماخـورة‏.‏ وفيهـا ولى على طريق مكة أبا الساج مكان جعفر بن دينار لوفاته تلـك السنـة‏.‏ وولـى علـى ديـوان الضيـاع والتوقيـع نجـاح بـن سلمة وكانت له صولة على العمال فكان ينـام المتوكـل فسعـى عنـده فـي الحسـن بـن مخلـد وكـان معه على ديوان الضياع ولى موسى بن عقبة عبد الملك وكان على ديوان الخراج وضمن للمتوكل في مصادرتهما أربعين ألفاً‏.‏ وأذن المتوكل وكانـا منقطعين إلى عبيد الله بن خاقان فتلطف عند نجاح وخادعه حتى كتب على الرقعتين وأشار إليه بأخذ ما فيهما معاً وبدأ بنجاح فكتبه وقبض منه مائة وأربعين ألف دينار سوى الغلات والفرش والضياع ثم ضرب فمات وصودر أولاده في جميع البلاد على أموال جمة‏.‏

  مقتل المتوكل وبيعة المنتصر ابنه

كان المتوكل قد عهد إلى ابنه المنتصر ثم ندم وأبغضه لما كان يتوهم فيه من استعجاله الأمر لنفسـه وكـان يسميـه المنتصـر والمستعجـل لذلك‏.‏ وكان المنتصر تنكر عليه انحرافه عن سنن سلفه فيمـا ذهبـوا إليـه مـن مذهـب الاعتـزال والتشيع لعلي وربما كان الندمان في مجلس المتوكل يفيضون فـي ثلـب علـي فينكـر المنتصـر ذلك ويتهددهم ويقول للمتوكل‏:‏ إن علياً هو كبير بيننا وشيخ بني هاشم فإن كنت لا بد ثالبه فتول ذلك بنفسك ولا تجعل لهؤلاء الصفاغين سبيلاً إلى ذلك فيستخف به ويشتمه ويأمر وزيره عبيـد اللـه بصفعـه ويتهـدده بالقتـل ويصـرح بخلعـه‏.‏ وربمـا استخلـف ابنـه الحبـر فـي الصلـاة والخطبـة مـراراً وتركـه فطوى من ذلك على النكث‏.‏ وكان المتوكل قـد استفسد إلى بغا ووصيف الكبير ووصيف الصغير ودواجن فأفسدوا عليه الموالي‏.‏ وكان المتوكل قد أخرج بغا الكبير من الدار وأمره بالمقام بسميساط لتعهد الصوائف فسار لذلك واستخلف مكانه ابنه موسى في الدار وان ابن خالـة المتوكـل واستخلـف علـى الستـر بغـا الشرابي الصغير‏.‏ ثم تغير المتوكل لوصيف وقبض ضياعـه بأصبهـان والجبـل وأقطعهـا الفتـح بـن خاقـان فتغيـر وصيف لذلك وداخل المنتصر في قتل المتوكل وأعد لذلك جماعة من الموالي بعثهم مع ولده صالـح وأحمـد وعبـد اللـه ونصـر وجاؤوا في الليلة التي اتعدوا فيها‏.‏ وحضر المنتصر ثم انصرف على عادته وأخذ زرافة الخادم معه وأمر بغا الشرابي الندمان بالانصراف حتى لم يبق إلا الفتح وأربعة من الخاصة وأغلق الأبواب إلا بـاب دجلـة فأدخـل منـه الرجـال وأحـس المتوكـل وأصحابه بهم فخافوا على أنفسهم واستماتوا وابتدروا إليه فقتلوه‏.‏ وألقى الفتح نفسه عليهم ليقيه فقتلوه‏.‏ وبعـث إلـى المنتصـر وهـو ببيـت زرافـة فأخبـره وأوصى بقتل زرافة فمنعه المنتصر وبايع له زرافة وركب إلى الدار فبايعه من حضر وبعث إلى وصيف أن الفتح قتل أبي فقتلته فحضر وبايع وبعـث عـن أخويـه المعتـز والمؤيـد فحضـرا وبايعـا لـه‏.‏ وانتهـى الخبـر إلـى عبيـد اللـه بـن يحيى فركب من ليله وقصد منزل المعتز فلم يجده واجتمع عليه عشرة آلاف من الأزد والأرمن والزواقيل وأغروه بالحملة على المنتصر وأصحابه فأبى وخام عن ذلك وأصبح المنتصر فأمر بدفن المتوكل والفتح وذلـك لأربـع خلون من شوال سنة سبع وأربعين ومائتين‏.‏ وشاع الخبر بقتل المتوكل فثار الجند وتبعهم وركـب بعضهـم بعضـاً وقصـدوا بـاب السلطـان فخـرج إليهـم بعـض الأوليـاء فاسمعـوه ورجـع فخـرج المنتصـر بنفسـه وبيـن يديـه المغاربـة فشردوهم عن الأبواب فتفرقوا بعد أن قتل منهم ستة أنفس‏.‏ الخبر عن الخلفاء من بني العباس أيام الفتنة وتغلب الأولياء وتضايق نطاق الدولة باستبداد الولاة في النواحي من لدن المنتصر إلي أيام المستكفي كـان بنـو العبـاس حين ولوا الخلافة قد امتدت إيالتهم على جميع ممالك الإسلام كما كان بنو أمية من قبلهـم‏.‏ ثـم لحـق بالأندلـس مـن فـل بنـي أميـة مـن ولـد هشـام بـن عبـد الملـك حافـده عبـد الرحمـن بـن معاوية بن هشام ونجا من تلك الهلكـة فأجـاز البحـر ودخـل الأندلـس فملكهـا مـن يـد عبـد الرحمـن بـن يوسـف الفهـري وخطـب للسفـاح فيهـا حـولاً ثـم لحق به أهل بيته من المشرق فعذلوه في ذلـك فقطـع الدعـوة عنهـم‏.‏ وبقيـت بلـاد الأندلـس مقتطعـة مـن الدولـة الإسلاميـة عـن بنـي العباس‏.‏ ثم لمـا كانـت وقعـة فتـح أيـام الهـادي علي بن الحسن بن علي سنة تسع وتسعين ومائة وقتل داعيتهم يومئـذ حسيـن بـن علـي بن حسن المثنى وجماعة من أهل بيته ونجا آخرون وخلص منهم إدريس بـن عبـد اللـه بـن حسـن إلى المغرب الأقصى وقام بدعوته البرابرة هنالك فاقتطع المغرب عن بني العباس فاستحدثوا هنالك دولة لأنفسهم‏.‏ ثـم ضعفـت الدولـة العباسية بعد الاستفحال وتغلب على الخليفة فيها الأولياء والقرابة والمصطنعـون وصـار تحـت حجرهـم من حين قتل المتوكل وحدثت الفتن ببغداد صار العلوية إلى النواحـي مظهريـن لدعوتهـم فدعـا أبـو عبـد اللـه الشيعـي سنـة سـت وثمانيـن ومائتيـن بإفريقيـة فـي طامـة لعبيد الله المهدي بن محمد بن جعفر بن محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق وبايع له وانتزع إفريقيـة مـن يـد بنـي الأغلب واستولى عليها وعلى المغرب الأقصى ومصر والشام واقتطعوا سائر هذه الأعمال عن بني العباس واستحدثوا له دولة أقامت مائتين وسبعين سنة كما يذكر في أخبارهـم‏.‏ ثـم ظهـر بطبرستـان مـن العلويـة الحسـن بـن زيـد بـن محمـد بـن إسماعيـل بـن الحسن بن زيد بـن الحسـن السبـط ويعـرف بالداعـي خـرج سنـة خمسيـن ومائتيـن أيـام المستعيـن ولحق بالديلم فأسلموا على يديه وملك طبرستان ونواحيها وصار هنالك دولة أخذها من يـد أخيـه سنـة إحـدى وثلثمائة الأطروش من بني الحسين ثم من بني علي عمر داعي الطالقان أيام المعتصم وقد مر خبره‏.‏ واسم هذا الأطروش الحسن بن علي بن الحسين بن علي بن عمر وكانت لهم دولة وانقرضت أيام الحسين واستولى عليها الديلم وصارت لهم دولة أخرى‏.‏ وظهر باليمن الرئيس وهو ابن إبراهيم طباطبا بن إسماعيل بن إبراهيم بن حسن المثنى فأظهر هنالك دعوة الزيدية وملك صعدة وصنعاء وبلاد اليمن وكانت لهم هنالك دولة ولم تزل حتى الـآن‏.‏ وأول مـن ظهـر منهـم يحيـى بـن الحسيـن بـن القاسـم سنـة تسعيـن ومائتيـن ثم ظهر أيام الفتنة من دعاة العلوية صاحب الزنج ادعى أنه أحمد بن عيسى بن زيد الشهيـد وذلـك سنـة خمـس وخمسين ومائتين أيام المهتدي وطعن الناس في نسبه فادعى أنه من ولد يحيى بن زيد قتيل الجوزجـان وقيـل‏:‏ إنـه انتسـب إلـى طاهـر بـن الحسيـن بـن علـي والـذي ثبـت عنـد المحققيـن أنه علي بن عبـد الحليـم بـن عبـد القيـس فكانـت لـه ولبنيـه دولـة بنواحي البصرة أيام الفتنة قام بها الزنج إلى أن انقرضت على يد المعتضد أيام السبعين ومائتين‏.‏ ثـم ظهر القرظ بنواحي البحرين وعمان فسار إليها من الكوفة سنة تسع وسبعين أيام المعتضد وانتسب إلى بني إسماعيل الإمام بن جعفر الصادق دعوى كاذبة وكان من أصحابه الحسن الجمالي وزكرونة القاشاني فقاموا من بعده بالدعوة ودعوا لعبد الله المهدي وغلبوا على البصرة والكوفة ثم انقطعوا عنها إلى البحرين وعمان وكانت لهـم هنالـك دولـة انقرضـت آخـر المائـة الرابعـة وتغلـب عليهـم العـرب مـن بنـي سليم وبني عقيل‏.‏ وفي خلال ذلك استبد بنو سامان بما وراء النهر آخر الستين ومائتين وأقاموا على الدعوة إلا أنهم لا ينفذون أوامـر الخلفـاء وأقامـت دولتهم إلى آخر المئة الرابعة‏.‏ ثم اتصلت دولة أخرى في مواليهم بغزنة إلى منتصف المائة السادسة وكانت للأغالبة بالقيروان وإفريقيـة دولـة أخـرى بمصـر والشـام بالاستبـداد من لدن الخمسين والمائتين أيام الفتنة إلى آخر المائة الثالثة ثم أعقبتها دولة أخرى لمواليهم بني طفج إلى الستين والثلثمائة‏.‏ وفي خلال هذا كله‏.‏ تضايق نطاق الدولة العباسية إلى نواحي السواد والجزيرة فقط إلا أنهـم قائمـون ببغـداد علـى أمرهـم‏.‏ ثم كانت للديلم دولة أخرى استولوا فيها على النواحي وملكوا الأعمال ثم ساروا إلى بغداد وملكوها وصيروا الخليفة في ملكتهم من لدن المستكفي أعوام الثلاثين والثلثمائة وكانت مـن أعظـم الـدول‏.‏ ثـم أخذهـا مـن أياديهـم السلجوقيـة مـن الغز إحدى شعوب الترك فلم تزل دولتهم مـن لـدن القائـم سنـة أربعيـن وأربعمائـة إلـى آخـر المائـة السادسة وكانت دولتهم من أعظم الدول في العالم‏.‏ وتشعبـت عنها دول هي متصلة إلى عهدنا حسبما يذكر ذلك كله في مكانه ثم استبد الخلفاء مـن بنـي العبـاس آخـراً فـي هـذا النطـاق الضيـق ما بين دجلة والفرات وأعمال السواد وبعض أعمال فارس إلى أن خرج التتار من مفازة الصين وزحفوا إلى الدولـة السلجوقيـة وهـم علـى ديـن المجوسية وزحفوا إلى بغداد فقتلوا الخليفة المعتصم وانقـرض أمـر الخلافـة وذلـك سنـة سـت وخمسين وستمائة‏.‏ ثم أسلموا بعد ذلك وكانت لهم دولة عظيمة وتشعبـت عنهـا دول لهـم ولأشياعهم في النواحي وهي باقية لهذا العهد آخذة في الثلاثين كما نذكر ذلك كله في أماكنه‏.‏

  دولة المنتصر

ولمـا بويـع المنتصـر كمـا ذكرنـاه ولـى علـى المظالـم أبـا عمـرو أحمد بن سعيد وعلى دمشق عيسى بن محمد النوشزي وكان على وزارته أحمد بن الخصيب واستقامت أموره وتفاوض وصيف وبغا وأحمـد بن الخصيب في شأن المعتز والمؤيد لما توقعوا من سطوتهما بسبب قتل المتوكل فحملوا المنتصر على خلعهما لأربعين يوماً من خلافته وبعث إليهما بذلك فأجاب المؤيد وامتنع المعتز فأغلظوا عليه وأوهموه القتل فخلا به المؤيد وتلطف به حتى أجاب وخلع نفسه وكتبا ذلك بخطهمـا‏.‏ ثـم دخـلا علـى المنتصـر فأجلسهمـا واعتـذر لهمـا بسمـع مـن الأمراء بأنهم الذين حملوه على خلعهمـا فأجبتهـم إلى ذلك خشية عليكما منهم فقبلا يده وشكرا له وشهد عليهما القضاة وبنو هاشـم والقـواد ووجـوه النـاس وكتـب بذلـك المنتصـر إلـى الآفـاق وإلـى محمـد بـن طاهـر ببغداد‏.‏ ثم إن أحمد بن الخصيب أخا المنتصر أمر بإخراج وصيف للصائفة وإبعاده عن الدولة لما بينهما من الشحنـاء فأحضـره المنتصـر وقـال لـه‏:‏ قـد أتانـا مـن طاغية الروم أنه أفسد الثغر فلا بد من مسيرك أو مسيري فقال بل أنا أشخص يا أمير المؤمنين فأمر أحمد بن الخصيب أن يجهزه وبزيح علل العسكر معه وأمره أن يوافي ثغر ملطية فسار وعلى مقدمته مزاحـم بـن خاقـان أخـو الفتـح وعلى نفقات العساكر والمغانم والمقاسم أبو الوليد القروالي أن يأتيه رأيه‏.‏ ثـم أصابـت المنتصـر علـة الذبحة فهلك لخمس بقين من ربيع الأول من سنة ثمان وأربعين ومائتين لستة أشهر من ولايته وقيل بل أكثر من ذلك فجعل السم في مشرطة الطبيب فاجتمع الموالي في القصر وفيهم بغا الصغير وبغا الكبير وأتامش وغيرهم فاستحلفوا قواد الأتراك والمغاربة والأشروسيـة على الرضا بمن يرضونه لهم ثم خلصوا للمشورة ومعهم أحمد بن الخصيب فعدلوا عن ولد المتوكل خوفاً منهم ونظروا في ولد المعتصم فبايعوه واستكتب أحمد بن الخصيب واستوزر أتامش وغدا على دار العامة في زي الخلافة وإبراهيم بن إسحق يحمل بين يديه الحربـة وصفـت المماليـك والأشروسيـة صفيـن بترتيـب دواجـن وحضـر أصحـاب المراتـب من العباسييـن والطالبيين وثار جماعة من الجند وقصدوا الدار يذكرون أنهم من أصحاب محمد بن عبـد اللـه بن طاهر والغوغاء فشهروا السلاح وهتفوا باسم المعتز وشدوا على أصحاب دواجن فتضعضعوا ثم جاءت المبيضة والشاكرية وحمل عليهم المغاربة والأشروسية فنشبـت الحـرب وانتهبت الدروع والسلاح من الخزائن بدار العامة وجاء بغا الصغير فدفعهم عنها وقتل منهم عـدة وفتقـت السجـون وتمـت بيعـة الأتـرال للمستعيـن ووضـع العطـاء علـى البيعـة وبعث إلى محمد بن عبد الله بن طاهر فبايع له هو والناس ببغداد‏.‏ ثم جاء الخبر بوفاة طاهر بن عبد الله بن طاهر بخراسان وهلك عمه الحسين بن طاهر بمرو فعقد المستعين لابنه محمد بن طاهر مكانه وعقد لمحمد بن عبد الله بن طاهر على خراسان سنة ثمان وأربعين ومائتين وولى عمه طلحة على نيسابور وابنه منصور بن طلحة على مرو وسرخـس وخـوارزم وعمـه الحسين بن عبد الله على هراة وأعمالها وعمه سليمان بن عبد الله على طبرستان والعباس ابن عمه على الجوزجان والطالقان‏.‏ ومات بغا الكبير فولى ابنه موسى على أعماله كلها وبعث أناجور من قواد الترك إلى العمرط الثعلبـي فقتلـه واستأذنـه عبـد اللـه بـن يحيـى بـن خـان في الحج فأذن له ثم بعث خلفه من نفاه إلى برقـة وحبـس المعتـز والمؤيـد فـي حجـره بالجوسـق بعد أن أراد قواد الأتراك قتلهما فمنعهم أحمد بن الخصيب من ذلك‏.‏ ثم قبض على أحمد بن الخصيب فاستصفى ماله ومال ولده ونفاه إلى قرطيـش واستـوزر أتامـش وعقـد لـه علـى مصـر والمغـرب وعقـد بغـا الصغيـر علـى حلـوان وماسبـذان ومهرجـا تعـرف وجعـل شاهـك الخـادم علـى داره وكراعـه وحرمـه وخاصـة أمـوره وخدمـه وأشنـاس علـى جميـع النـاس‏.‏ وعزل علي بن يحيى الأرمني عن التغور الشامية وعقد له على أرمينية وأذربيجان‏.‏ وكان على حمص كندر فوثب به أهلها فأخرجوه فبعث المستعين الفضل بن قارن وهو أخو مازيار فاستباحهم وحمل أعيانهم إلى سامرا وبعث المستعين إلى وصيـف وهـو بالثغـر الشامـي بـأن يغزو بالصائفة فدخل بلاد الروم وافتتح حصن قرورية‏.‏ ثم غزا بالصائفـة سنـة تسـع وأربعيـن جعفـر بـن دينـار وافتتـح مطاميـر واستأذنـه عمـر بـن عبـد اللـه الأقطـع في تدويـخ بلـاد الـروم فـأذن لـه فدخـل فـي جماعـة مـن أهل ملطية ولقي ملك الروم فخرج الأسقف في خمسيـن ألفـاً أحاطـوا بـه وقتـل عمـر فـي ألفيـن مـن المسلميـن‏.‏ وكـان علـى الثغور الجزرية فأغار عليها الـروم وبلـغ ذلـك علـي بن يحيى وهو قابل من أرمينية إلى ميافارقين ومعه جماعة من أهلها فنفر إليهم وهو في نحو أربعمائة فقتلوا وقتل‏.‏